تعد التربية الأسرية الركيزة الأساسية في تشكيل سلوك المجتمع، إذ يتحمل الوالدان مسؤولية غرس القيم الإنسانية وتعزيز القدرات الاجتماعية لدى أطفالهما، غير أن بعض الآباء والأمهات قد يستخدمون عبارات تحرض على العنف، كقولهم: «اللي يطقك طقه»، معتقدين أنهم يعلمون الطفل الدفاع عن النفس وحماية حقوقه. بيد أن دراسة أجرتها جامعة هارفارد حول التفاعل بين العنف اللفظي والتنمية العاطفية لدى الأطفال أشارت إلى أن أسلوب الرد بالعنف يضعف مهارات التواصل ويزيد احتمالية السلوك العدائي لاحقا.
فحين يكبر الطفل في بيئة تشجع على رد الضربة بالضربة، يتشرب ثقافة تجعل العنف خيارا مشروعا، ما يؤدي إلى مشكلات سلوكية قد تتطور نحو الإجرام. وفي المقابل، يؤكد سانتروك علامة علم نفس النمو: أن تدريب الطفل على الحوار والوسائل السلمية يحسن من توازنه العاطفي وقدرته على حل الخلافات.
ومن هنا، يتضح الدور الخطير لعبارات مثل «اللي يطقك طقه» في تشكيل شخصيات عدائية تستهين بقيمة التسامح والتفاوض. وما يؤكد ذلك هو أن كثيرا من حالات الاعتداء الجسدي والمشكلات الجنائية كان يمكن تفاديها لو تدرب الأطفال منذ صغرهم على الإصغاء للآخر والتعبير عن آرائهم بلا عنف. كما أظهرت الأبحاث التربوية أن اعتماد أساليب إيجابية تركز على الاحترام والتهدئة والتفاهم يسهم في بناء شخصية متزنة، وقادرة على التعامل مع النزاعات بموضوعية.
أما بالنسبة لأولياء الأمور، فمن السهل أن يتلفظوا بمثل هذه العبارات، فهي تلقي العبء عن كاهلهم إلى كاهل الطفل. غير أنه في الواقع، لو حرص الآباء على تعليم أطفالهم مخزونا من الثروة اللغوية لما تعرض الطفل لهذه المشكلات في الأغلب، فالشخص الذي لديه القدرة على التعبير عن نفسه منذ الطفولة يتخذ من الحوار وسيلة للتفاهم، ويعرف كيف يحل مشكلاته بسهولة. وغالبا ما يلجأ الإنسان الى العنف أو البكاء بغية استعطاف الآخرين عندما لا يستطيع التعبير عن نفسه. ولذا يبقى الحل الأمثل هو تعليم الطفل الثروة اللغوية اللازمة لحل مشكلاته، وهي في الوقت نفسه تنمي شخصيته وتقويها، وتجعله متحدثا مؤثرا في الآخرين. ولعل من أسهل الطرق لتحقيق ذلك توظيف القصص الموجهة الى هذه الأعمار.
من هنا، ينبغي على الوالدين استبدال العبارات المحرضة على العنف بتوجيهات ترسخ الحوار والتواصل، مثل تعليم الطفل كمية كبيرة من المفردات، ومطالبة الطفل بإبلاغ المعلم عند تعرضه للأذى، أو التعبير عن مشكلته بهدوء مع زملائه، فالتربية الإيجابية لا تنطلق من تبرير العنف أو دعمه، بل من حث الطفل على ضبط النفس والتفكير العقلاني. إننا في أمس الحاجة إلى أجيال تنأى عن العنف، وتؤمن بقوة الحوار والعمل الجماعي في حل المشكلات. وبذلك نضمن مجتمعات أكثر أمنا لنا جميعا، حيث تبنى علاقات الأفراد على أسس من الاحترام والتفاهم.
Tab6_khayran@