كل إنسان في هذه الدنيا يتمنى السعادة ويكره الحزن والكآبة، فالسعادة أمل الناس وراحة لهم، ومع ذلك فليس كل من أراد السعادة نالها، فالسعادة لا تأتي بالتمني ولا تشترى بالأموال ولا تعار ولا تستعار، وواهم من يظن أن من يعيش في ثراء أو لديه منصب أو جاه سعيد، فلا المال ولا المناصب ولا الجاه يأتي بالسعادة، وهذا ينافي الواقع، صحيح أن المال يضمن لك حياة كريمة ويغنيك عن الناس، ولكنه لايجلب لك السعادة، ثم إن السعادة لا تأتيك بلا أسبابها، وأنت نفسك من يصنع هذه الأسباب، وأول هذه الأسباب وأهمها القناعة والرضا، وثمرة ذلك راحة البال والطمأنينة، وكي تكون سعيدا نقّ قلبك من الدرن وأحب لغيرك ماتحب لنفسك وكن صاحب ضمير حي ونفس لوامة، كن هكذا تكن سعيدا أما غير ذلك فإنها سعادة تشبه السراب بقيعة.
إن السعادة نعمة نستطيع امتلاكها ولها طريقها الصحيح، من سلكه نالها، وهي شيء معنوي نشعر به ولا نراه، ومن ذلك أيضا صفاء النفس وطمأنينة القلب وانشراح الصدر، وهذا ما يجده المؤمن بالله سبحانه وتعالى القائل لنا (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب) [الرعد: 28].
ولا أمثل السعادة إلا بالشجرة ماؤها وغذاؤها علمك بأن الله يراك من حيث لاتراه. ولمن سبقنا من العلماء آراء نافعة في السعادة فهذا ابن القيم يقول: اللذة التامة والفرح والسرور وطيب العيش والنعيم إنما هي في معرفة الله وتوحيده والأنس به والشوق إلى لقائه واجتماع القلب والهم عليه، فإن أنكد العيش عيش من قلبه مشتت وهمه مفرق، فاحرص أن يكون همك واحدا وأن يكون هو الله وحده فهذا غاية سعادة العبد وصاحب هذه الحال في جنة معجلة قبل جنة الآخرة وفي نعيم عاجل.
وختاما قال حكيم: من جمع ثلاثة كان سعيدا حقا: من شكر الله على نعمه، وصبر عند الابتلاء واستغفر لذنوبه. ودمتم سالمين.