المثالية تعني أن يسعى الإنسان إلى الوصول إلى أعلى درجات الإتقان في كل شيء، راجيا أن يغدو الأفضل في أي أمر يطمح إليه. تبرز هذه الحالة بشكل خاص في الرياضات وبين رجال الأعمال، حيث يسعى الواحد فيهم إلى التربع على عرش القمة والوصول إلى المرتبة الأولى حصرا في مجاله، فلا يرضى بالمركز الثاني وما دونه.
ولا تقتصر المثالية المفرطة على حلم الشخص بأن يكون الأجدر دوما، بل تتعدى ذلك إلى إحساسه بضرورة أن يكون كل ما حوله من أشخاص وأحداث وظروف على درجة مثلى من الكمال. فإذا ضبط منبه الساعة على الخامسة فجرا ليستيقظ ويباشر أعماله، ففاته الاستيقاظ وتأخر قليلا عن الموعد المحدد، ذهب كل نهاره سدى، وتبددت حماسته، لأنه أخل بما عقد العزم عليه، وهو الذي يريد الكمال وأن تجري الأمور دوما على نسق معين ثابت كامل لا يحيد.
وبالتالي، فإن أي إخلال مهما كان تافها يمكن أن يعطل مشاريع الشخص المفرط في المثالية، ويدمر علاقته بالآخرين الذين لا يسامحهم على أقل خطأ يصدر عنهم، لأنه يطالب الجميع بأن يكونوا على قدر توقعاته المثالية، وصولا إلى محاولاته المستميتة بغية إرضاء الناس من حوله بأي طريقة، حتى لو كان ذلك على حساب راحته الشخصية وأهدافه التي يسعى الى تحقيقها، مما يخلق حالة مرضية تستنزف طاقاته بشكل مستدام.
من أهم أسباب المثالية المفرطة الإحساس الدائم بالخوف، الخوف من فقد الناس وعدم احترامهم لنا، والخوف من ألا نكون بالمستوى المطلوب اجتماعيا أو مهنيا، والخوف من الفشل، والخوف من عدم انتقاء الخيار الأفضل.
من هذا المنطلق، فإن علاج المثالية يكمن في أن يدرك الشخص بادئ ذي بدء الجوانب السلبية التي تلقي بظلالها على حياته جراء نشدان الكمال، ثم يتحلى بالشجاعة لقول رأيه الخاص والتعبير عن مشاعره والاعتراف بأخطائه أو فشله المؤقت دون الاكتراث لرأي الآخرين به.
من المهم كذلك أن نتواصل مع الناس ونبني شبكة علاقات واسعة، حتى نحس بالقبول ونحول تركيزنا حول الذات إلى التركيز على الآخرين.
نقطة أخيرة مهمة للغاية، وهي أن تتقبل واقعك بكل ما فيه، وتتقبل الآخرين كما هم فتلتمس لهم الأعذار وتعي جيدا أنهم ليسوا بملائكة وأنك كذلك لن تكون كاملا أبدا، لأن النقص خصلة من خصال الإنسان، وكذلك تتصالح مع ذاتك فتعترف بجوانب ضعفك وتقصيرك وتعمل على تعزيز نقاط قوتك وتقنع بما تحققه على طول الطريق وتحتفي بأي إنجاز مهما كان بسيطا.
hamadaltamimiii@