المنية تعني الموت، والدنية العمل الشائن وكل ما هو مخز، وهذا المثل «المنية ولا الدنية» منسوب لأوس بن حارثة بن لأم الطائي، وهو سيد من سادات العرب وحكمائهم وحلمائهم وشعرائهم ويضرب به المثل في السخاء قبل الإسلام، والمثل يدعو إلى عزة النفس وسموها ويحذر من الذلة والخسة، روي أنه لما حضرته الوفاة أوصى ابنه مالك فقال: المنية ولا الدنية، والنار ولا العار، والعتاب قبل العقاب، والتجلد لا التبلد، اعلم أن القبر خير من الفقر، وأن من كرم الكريم الدفاع عن الحريم، وخير الغني القناعة، وشر الفقر الضراعة، في كلام طويل، والمنية ولا الدنية شعار رفعه العرب في جاهليتهم، فقد كانوا يختارون الموت على العار، فكرامة المرء قبل كل شيء. وقد قال المولى عز وجل (ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) [الإسراء: 70].
فلا يزال المرء عزيزا كريما ما حافظ على كرامته وصان وجهه عما يشينه، يقول الفارس الشاعر عنترة بن شداد:
حكم سيوفك في رقاب العذل
وإذا نزلت بدار ذل فارحل
ويقول المتنبي على نفس السياق:
عش عزيزا أو مت وأنت كريم
بين طعن القنا وخفق البنود
فالمرء العاقل يحترم ذاته ويحترم غيره ويشعر بقيمة نفسه، ولا يضعها في مواقف محرجة تهين كرامته، روي أن هشام بن عروة بن الزبير أهوى إلى يد أبي جعفر المنصور ليقبلها، فمنعه وقال له: يا ابن عروة، إنا نكرمك عنها، ونكرمها عن غيرك، تقديرا لشرفه وعلمه ونسبه ومكانته، إن السير في طريق الهدى والرشاد أنفع لنا في دنيانا وآخرتنا واتباع الهوى دنية وسقوط لكرامته، لأنه ينقاد خلف رغباته دون وعي أو تفكير في عواقب الأمور، ومتى تنازل عن مبادئه أصبح بلا قيمة، ودمتم سالمين.