علي إبراهيم
عندما يعتقد الضحية أنه تجاوز أزمته مع المحتالين، تظهر حيلة جديدة تعيده إلى المربع الأول، وهذه المرة، ادعى المحتالون أنهم سيعيدون الحقوق المسلوبة، مستغلين حالة اليأس التي وصل إليها الضحايا ويبنون جسورا من الثقة لاستدراجهم مجددا من خلال «قسم الشكاوى» الذي يتيح خدماته برسوم بسيطة ومغرية.
بدأت القصة عندما انتشرت صفحة غامضة على وسائل التواصل الاجتماعي تحت اسم «قسم الشكاوى»، التي تسبغ على نفسها مظهرا رسميا لزرع الثقة في نفوس الضحايا، زاعمة أنها منصة مخصصة لاستقبال شكاوى الاحتيال المالي والعقاري، وحتى شكاوى شركات الفوركس والمنتجات المقلدة، وذلك بإخراج متقن يجعل الضحايا الذين ذاقوا مرارة الاحتيال سابقا يصدقون أن الحل بات قريبا.
ويبدأ المحتالون نصب الفخ عند زيارة الصفحة، إذ يطلبون من الضحايا إدخال بياناتهم الشخصية والتي تتضمن الاسم، ورقم الهاتف، والبريد الإلكتروني، كخطوة أولى لفتح ملف الشكوى الذي يزود برقم، ولم تكن هذه الخطوة عشوائية، بل كانت البداية لنسج خيوط الفخ بإحكام.
بعد فترة وجيزة، تبدأ الاتصالات الهاتفية، على الطرف الآخر، يتحدث رجال بثقة وهدوء، يقدمون أنفسهم بأسماء تبدو حقيقية كمبارك، وحميد، وعبدالحميد، إذ يقدمون أنفسهم تارة كممثلين عن وزارة التجارة، وأحيانا باسم النيابة العامة، وأحيانا كأفراد من «إدارة الجرائم الإلكترونية التابعة للتجارة»، وهو كيان عبارة عن خيال لا وجود له في الواقع، لكن يأتي لإتقان الحبكة بمسمى يدعو إلى الاطمئنان ما يجعل الشك يبدو بعيدا.
وحين يتواصل المحتالون مع الضحايا يطرحون أسئلة دقيقة، «كيف تعرضت للاحتيال؟ ما المبلغ المسلوب؟ هل تحتفظ بأي مستندات تثبت ما حدث؟» تبدو الأسئلة منطقية، فهي مصممة بعناية لتغذية الثقة فيشعر الضحية بأنه يتحدث مع جهة موثوقة، خاصة مع أسلوبهم المحترف في طرح الأسئلة ومتابعة التفاصيل.
يطلب من الضحايا توفير المستندات الدالة على الحادثة بما تتضمنه من كشف حساب بنكي كجزء من إجراءات تقديم الشكوى، ثم يأتي الحديث عن الخطوة الأخيرة، والتي تبدو معقولة في البداية رسوم بسيطة بقيمة 3 دنانير تدفع لتسجيل المعاملة رسميا.
الغريب في الأمر أن الرقم الذي استخدمه المحتالون ليس رقما وهميا كالمعتاد يتصل بك ولكن لا تستطيع الاتصال به، إذ يمكن لك الاتصال به مجددا، مما يضيف غموضا إضافيا على القصة، هل هي ثقة مفرطة أم خطأ مقصود؟ لا أحد يعلم.
ما يحدث ليس مجرد محاولة احتيال عادية، بل سيناريو محبوك بدقة، يهدف إلى استغلال الأمل الأخير لدى الضحايا في استرداد حقوقهم، القصة لا تنتهي هنا، فالمحتالون تركوا خلفهم خيوطا تحتاج إلى فك رموزها، وربما كانوا يخططون لحيلة جديدة، أكثر جرأة ودهاء. ويظل «قسم الشكاوى» مثالا حيا على براعة المحتالين في ابتكار أساليب جديدة للإيقاع بضحاياهم، ما يفتح الباب أمام تساؤلات كثيرة حول مدى استعداد الضحايا للحذر، وكيف يمكن تتبع هؤلاء المحتالين؟.