سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الناس أفضل؟ قال: كل مخموم القلب صدوق اللسان، قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: «هو النقي التقي لا إثم عليه ولا بغي ولا غل ولا حسد».
لو تدبرنا الآيات الإرشادية في التفاعلات الإنسانية في القرآن والأحاديث في السنة النبوية الشريفة لوجدناها كلها تدعو إلى الرقة والرفق واللين والهين في التعاملات والتفاعلات، وعليها فالإنسان الهين اللين الرفيق في الغالب مخموم القلب لرقة قلبه، وإن نظرنا إلى التقوى فهي الإيمان الخالص لله عز وجل وتعظيم شعائره، وبذلك يطغى جانب الخير بالإنسان على جانب الشر في قلبه، ونجد أقوى فرسان التاريخ الإسلامي عقلا وفكرا وبنية جسدية رفقاء في تعاملاتهم وتفاعلاتهم الاجتماعية.
وسبحان الله العظيم عندما يكون الانسان مخموم القلب فذلك يظهر على لسانه وسيماه على وجهه، فاللسان الصادق لا يمكن أن يكون صادقا إلا والقلب مخموم أي خال من الغل والحسد، رحيم وعطوف، تقي ويخاف الله عز وجل، لذلك قدم في الحديث الشريف مخموم القلب على صدق اللسان، فمن الطبيعة البشرية عندما يكون اللسان كاذبا فإن ذلك من الآفات الكامنة في القلب من غل وحسد وكبر وأنانية وخبث.
ولذلك أشار القرآن الكريم للنفس اللوامة في نقاء القلب من كل علامة خبث ترهق صاحبها، فسلامة الصدر تعني مجاهدة النفس في سبيل الله عز وجل، ومن آثارها: الحب والإخاء ـ الرضا بالقضاء والقدر والنصيب ـ الهين واللين ـ معالجة الأمور والمشاكل بإحسان ـ العطاء بأشكاله ـ التعاون والتكافل ـ النصيحة ـ الظن الحسن بالله والناس.. والكثير من الإنسانيات الجميلة التي هي أصل التعبير عن اللسان الصادق المؤمن بالله عز وجل.
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف»، ومكامن القوة تكمن في صدق اللسان، وصدق اللسان لا يقف عند قضيتي الصدق والكذب وإنما حفظ اللسان عن آفاته، كاللغو ولهو الحديث والتشدق والتكلف والمراء والجدال والغيبة والنميمة وافتقار البلاغة وسلاطة اللسان.. إلخ من تلك الآفات التي نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من الأقوياء، فالقوة الحقيقية هي مجاهدة النفس وليست في قوة البناء الجسدي والشدة، فالمؤمن من سلم الناس من لسانه ويده، وأكثر ما يدخل النار هو اللسان، في قول النبي صلى الله عليه وسلم «.. وهل يكبّ الناس على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم».
فمخموم القلب من أبرز صفات المؤمن القوي، وعليه، جميع ما سبق أصل الحضارة الإنسانية والرقي والسلام والأمن الاجتماعي واستقراره الذي هو مطمع الجماعات الاجتماعية اليوم، فكلما زاد علم الفرد ومعرفته بالله عز وجل زادت قيمه وزانت أخلاقه، وكلما ارتقى بأخلاقه كان أصدق وأخلص لله عز وجل، أسأل الله العظيم أن يشملنا وإياكم أعزائي القراء من عباده الصالحين مخمومي القلب صدوقي اللسان، وصلّ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه الأخيار تسليما كثيرا.
sheikhaalasfoor@