نحن - بني البشر - وكما يعلم الجميع، نذهب ونجيء في طلب حاجاتنا، لا نكل ولا نمل، فما زال المرء حياً ويتنفس الهواء يسعى في طلب الدنيا، وربما أنسى البعض مصالحُه آخرتَه ومآله، فالحاجات لا تقف عند حد، ولا يقطعها إلا الموت.
هذه سُنة الحياة ولكن الكيّس من يعمل لدنياه كأنه يعيش أبدا، ويعمل لآخرته وكأنه يموت غدا، بل ويعد العدة للقاء مولاه الحكم العدل الذي لا يظلم أحدا مثقال حبة من خردل، يوم نذهب بلا أهل ولا ولد ولا مال ولا حاجات طالما ركضنا وراءها (كلا إذا بلغت التراقي، وقيل من راق، وظن أنه الفراق، والتفت الساق بالساق، إلى ربك يومئذ المساق) (القيامة: ٢٦ ـ ٣٠).
وقد صور لنا الشاعر الصلتان العبدي حال الناس وهي تجري وراء حاجاتها أجمل تصوير فقال:
أشاب الصغير وأفنى الكبير
مر الغداة وكر العشي
نروح ونغدو لحاجاتنا
وحاجة من عاش لا تنقضي
تموت مع المرء حاجاته
وتبقى له حاجة ما بقي
سبحان من بيده كل شيء، نتبع الدنيا ولن نبقى لا نحن ولا الدنيا. دخل عمر بن الخطاب رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم وإنه لعلى حصير ما بينه وبينه شيء، وتحت رأسه وسادة من أدمٍ حشوها ليف، وإن عند رجليه قرظا مصبوبا، وعند رأسه أُهُب معلقة، فرأيت أثر الحصير في جنبه فبكيت، فقال: ما يبكيك؟ فقلت: يا رسول الله، إن كسرى وقيصر فيما هما فيه (ينامون على الحرير والديباج)، وأنت رسول الله! فقال: أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة (رواه البخاري)، ودمتم سالمين.