يعتبر ملف الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال قضية محورية في الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، ووفقا لهيئة شؤون الأسرى والمحررين فقد وصل عددهم حتى يناير 2025 إلى عشرة آلاف وأربعمائة أسير، بما لا يشمل معتقلي قطاع غزة كافة، ومن بين هؤلاء هناك أكثر من 600 من المحكومين بالمؤبد، وطالما نظر إليهم كرمز للنضال والمقاومة، واعتبر الافراج عنهم أولوية وطنية وسياسية!
ومن ثم، كان مطلب الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين أحد المطالب الرئيسية التي طرحتها المقاومة خلال المفاوضات التي أفضت إلى وقف إطلاق النار في حرب غزة الأخيرة في 19 يناير الماضي، ومنذ ذلك الوقت أفرجت إسرائيل في أربع دفعات عن 583 أسيرا، مع وعود بالإفراج عن المزيد خلال الأسابيع القادمة.
وينظر البعض إلى الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين كخطوة إنسانية تعزز الثقة بين الأطراف، لكنها في ذات الوقت تحمل أبعادا سياسية عميقة، فبالنسبة للفلسطينيين، يمثل هذا الإفراج تحقيقا لشيء من العدالة، وفرصة لإعادة دمج الأسرى في مجتمعهم، على حين تواجه هذه الخطوة على الجانب الإسرائيلي بانتقادات داخلية، حيث اعتبرها البعض تنازلا أمام حركة حماس والمقاومة!
وفي ظل الأوضاع المتوترة التي تعيشها غزة، كان من الضروري ألا ينحصر النقاش حول القضية الفلسطينية في الجوانب العسكرية والجدل الكبير حول مفهوم النصر فحسب، وقد كتبت سابقا عن أهمية الاستماع لأصوات أهل غزة، والتركيز على الجوانب الإنسانية التي تعكس معاناتهم وآمالهم مع الاعتراف والتقدير في المكاسب للرواية الفلسطينية وشذوذ الرواية الإسرائيلية على مستوى العالم!
ومع دخولنا مرحلة جديدة بوقف إطلاق النار والوصول إلى هدنة بين المقاومة وإسرائيل، من المهم التأكيد على بعض النقاط الأساسية!
رغم المشاهد المفرحة لتبادل الأسرى وإطلاق سراحهم، يبقى بند أسرى الضفة، رغم رمزيته، غير كاف ليكون محورا رئيسيا في التفاوض، فإسرائيل هي من تملك المفاتيح، وبوسعها فتح السجون وإغلاقها متى شاءت! كما أن المكاسب المرتبطة بإطلاق سراح الأسرى لا يمكن مقارنتها بتلك المطالب الأكثر أهمية على المدى البعيد، مثل فك الحصار عن قطاع غزة وفتح المعابر والحدود، فهذه المطالب تعتبر أسهل في ضماناتها وتحقق نتائج ملموسة لحياة الناس اليومية بشكل أكبر من مجرد الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين!
وعندما نتحدث عن عملية إطلاق الأسرى، يجب أن نكون واعين للواقع الذي يأتي بعدها، فقد ينتهي تبادل الأسرى، لكن هذا لا يعني انتهاء المعاناة، ولن تكون إسرائيل كما كانت سابقا بموقف ضعف وضغط إطلاق سراح أسراها وستستفيد أكثر من شراسة ترامب ضد أعداء إسرائيل، ومن السهل عليها ككيان يفتقر إلى الأخلاق أن تعيد ملء سجونها بالسجناء مرة أخرى، في ظل أجواء النفاق والتخاذل وغياب ضغوط حقيقية سواء من المجتمع الدولي أو من غيره من الأطراف الفاعلة!
[email protected]