«نتشرف بدعوتكم لحضور حفل زفاف نجلينا (فلان وفلانة) في اليوم الفلاني والقاعة الفلانية على أن يتم تأكيد الحضور أو الاعتذار خلال 24 ساعة من وصول الرسالة»!
نعم! أصبحت هذه هي دعوات حفلات الزفاف أو المناسبات الاجتماعية المختلفة أو «الصيحة الجديدة» التي تصلنا - بشكل مفاجئ ودون سابق اخطار- عبر تطبيق الواتساب أو الرسائل القصيرة SMS.
للتكنولوجيا الحديثة تأثير في المجتمع حمل مؤخرا أثرا سلبيا كبيرا على سلوكيات الأفراد وقلص التواصل فيما بينهم، على الرغم من ضرورة مواكبة التطور التكنولوجي والتقنيات الحديثة، لكن هنالك بعض الأمور والعادات التي يجب ألا نقحم التكنولوجيا فيها، منها دعوات حفلات الزفاف او الخطوبة أو دعوات المناسبات الاجتماعية الأخرى الخاصة. فقد كانت الدعوات في الماضي تصل للمدعوين بطريقة لبقة تحمل كلمات جميلة وأنيقة تعكس رقي المجتمع وتحضره، لكن سرعان ما اختلف الوضع بتبني صيحات غريبة ودخيلة، حتى إن تعارضت مع الذوق والأصول والأعراف.
أثبتت التقنيات الجديدة نجاحها تقنيا وفشلها اجتماعيا، فالكثير من الناس - وأنا ضمنهم - لا يتقبلون فكرة الدعوة الإلكترونية بهذه الطريقة «الجديدة» دون تواصل فعلي من أصحاب الدعوة بشكل مباشر. ما هذه الدعوات الجديدة التي تصلنا بشكل مفاجئ مع تأكيد الحضور خلال 24 ساعة من وصول الرسالة؟! هذا الاستخفاف بالمدعوين والضيوف له أبعاد اجتماعية سلبية وقد يتسبب في قطع العلاقات أو التواصل، هذه التقنيات لا تراعي كبار السن أو الاشخاص الذين لا يستخدمون التكنولوجيا إلى هذا الحد. طالما هي دعوة إلكترونية، ومن تطبيق إلكتروني وتحوي تهديدا مبطنا، فلماذا لا يتحول الحفل أو المناسبة إلى حضور إلكتروني كذلك (أي تسجيل حضور عن بعد)؟! وبذلك نطبق فكرة الحياة الإلكترونية الافتراضية بحذافيرها. يجب ألا نتقبل الدعوات الخاصة بهذه الطريقة المهينة حتى لو كان تحت مسمى التطور.
قد تتحول المناسبات المستقبلية وحضور الناس الفعلي إلى حضور افتراضي Virtual بسبب مواكبة التكنولوجيا ومجاراة الصيحات بشكل «اعمى»، وقد نصل لمرحلة عدم التواصل إلا من خلال التطبيقات أو طرف خارجي Third Party. أصبحنا نعيش - فعليا - في عالم نتواصل فيه افتراضيا، بعيدين كل البعد عن عالمنا الواقعي، وسنصل بعد مدة إلى عصر اللاتواصل، فقد بدأ الناس يتحولون - بشكل تدريجي - إلى أشباح وكيانات حاضرة غائبة، وهذا التعلق الشديد بالتكنولوجيا بلد المشاعر الإنسانية وتسبب بضمور فعلي لها، حتى أصبح البعض حالهم حال التطبيقات التي ترسل إشعارات دون أي مشاعر فعلية.
هنالك أمور يجب ألا تتطور، بل تبقى جميلة على حالها كالتواصل والاتصال الفعلي، فقد أصبحت الرسائل المبعوثة بلا روح، ولا نتمنى أن يتحول استخدامنا لهذه التطبيقات والسلوكيات إلى «أسلوب حياة» جديد يحول مشاعر وسلوك الإنسان الطبيعي إلى روبوت بليد.
بالقلم الأحمر: ليس كل قديم قبيحا أو منبوذا، بل العكس تماما، أحيانا مواكبة الحداثة بشكل مفرط هو القبح الحقيقي.
AljaziAlsenafi@