- الصين تمتلك الأصول الإنتاجية «باهظة الثمن» التي تخلت عنها الشركات الأميركية
- الرأسمالية الساذجة تضع حرية السوق فوق أي اعتبارات أخرى متجاهلة الأمن القومي
- إعادة النظر في السياسات الاقتصادية من منظور أكثر شمولية.. أمر ضروري
- الاعتبارات الأمنية يجب أن تشكل جزءاً أساسياً من إستراتيجية التنمية الاقتصادية
في ظل التحديات المتزايدة التي تواجه الاقتصاد الأميركي، بدءا من المنافسة الصناعية مع الصين وصولا إلى الحاجة الملحة لتعزيز الأمن القومي عبر التكنولوجيا والسياسات الاقتصادية، يبرز التساؤل حول قدرة الولايات المتحدة للحفاظ على ريادتها في المجالات الحيوية.
وفي هذا السياق، أجرى المؤسس والرئيس التنفيذي لمركز ريكونسنس للبحوث والدراسات عبدالعزيز العنجري حوارا مع مفوض هيئة الاتصالات الفيدرالية الأميركية (FCC) ناثان سيمينغتون، عبر تطبيق زووم، والذي تم تعيينه في منصبه من قبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ويمتلك خبرة واسعة في القطاعين العام والخاص.
وتناول الحوار عددا من القضايا الجوهرية، من بينها أخطاء السياسة الاقتصادية الأميركية التي أسهمت في تعزيز الهيمنة الصينية على الأسواق، وأهمية وجود رؤية استراتيجية أميركية في التصنيع والتكنولوجيا لمواجهة المنافسة العالمية، كما تطرق الى واقعية استعادة الولايات المتحدة هيمنتها في قطاعات حيوية مثل الاتصالات، وما يتطلبه ذلك من سياسات وإجراءات جريئة.. وفيما التفاصيل:
ما الأخطاء السياسية الأكثر ضررا بالسياسة الأميركية.. في رأيك؟
٭ الخطأ الأكثر ضررا يكمن في النهج الذي نتبعه في المحاسبة المالية وتقييم أصول الشركات في الولايات المتحدة، فهناك دافع لإخراج الأصول الباهظة الثمن من الميزانية العمومية لتسهيل التمويل خارجها، مما يمنح انطباعا بعوائد أفضل مقارنة بحجم الميزانية، فكل شركة أميركية عامة تقريبا محفزة للعب هذه اللعبة، لكن المشكلة أن الصين أخذت الجانب الآخر من هذا الرهان.
وتمتلك الصين الآن الأصول الإنتاجية الباهظة الثمن التي تخلت عنها الشركات الأميركية، وقد لا تكون هذه مشكلة عندما تفعلها شركة أميركية واحدة، ولكن عندما تفعلها جميعها، فإننا نخلق أزمة ترحيل صناعي ممنهج، خاصة في مجال التصنيع المتقدم.
وربما لم يكن هذا مصدر قلق عندما كانت الصناعة الأميركية تقتصر على الإنتاج المنخفض التقنية، مثل تعبئة زجاجات الشامبو يدويا، حيث تكاليف العمالة هي العامل الرئيسي، ولكن عندما تصبح جميع الأجهزة الإلكترونية المتقدمة، بما في ذلك مدخلاتها من العناصر الأرضية النادرة، قادمة من بضعة كيلومترات مربعة في الصين، فإن الشركات الأميركية فضلت الاستئجار على التملك.
كيف يمكن التوفيق بين حرية السوق وضرورة حماية المصالح الصناعية الوطنية؟
٭ الأسواق بطبيعتها قادرة على تحقيق الكفاءة في العديد من الجوانب، حيث يعتمد نجاحها على مبادئ أساسية لا يمكن الاستغناء عنها، ومع ذلك، فإن الاشتراكية الموجهة تعرقل هذه المبادئ وتحد من فعاليتها، مما يجعلها غير قادرة على تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة.
وعلى الجانب الآخر، فإن الرأسمالية الساذجة تضع حرية السوق فوق أي اعتبارات أخرى، متجاهلة عوامل حيوية، مثل الأمن القومي، مما قد يؤدي إلى تداعيات اقتصادية واستراتيجية خطيرة، لذلك، من الضروري إعادة النظر في السياسات الاقتصادية من منظور أكثر شمولية يدمج بين حرية السوق والمصالح الوطنية.
ويعتبر الأمن الاقتصادي والقومي وجهين لعملة واحدة، ويمكن قراءة العلاقة بينهما من كلا الاتجاهين، وهذا يعني أن الاعتبارات الأمنية يجب أن تشكل جزءا أساسيا من استراتيجية التنمية الاقتصادية، ويجب تطوير آليات ونماذج تحليلية لفهم وقياس التكاليف غير المباشرة للتهديدات الاقتصادية التي قد تنشأ نتيجة الاعتماد المفرط على أسواق غير مستقرة أو موردين خارجيين.
فعلى سبيل المثال، إذا تم بناء شبكات الاتصالات الوطنية باستخدام معدات إلكترونية منخفضة التكلفة ولكنها عرضة للاختراق من قبل منافسين عالميين، فقد تكون الخسائر الأمنية والاقتصادية الناتجة عن ذلك أكبر بكثير من أي وفورات مالية تم تحقيقها.
ما الدروس المحددة التي يمكن للولايات المتحدة أن تتبناها من تجربة الصين؟
٭ الصين هي الرائدة عالميا في التصنيع المتقدم، ليس لأنها تمتلك أفضل العمالة أو العمليات، ولكن لأنها حشدت ثقل الدولة بأكمله نحو هذا الهدف، وعندما تركز الولايات المتحدة جهودها الوطنية على المشاريع التكنولوجية، نحصل على برنامج الفضاء، مختبرات بيل، والإنترنت.
وهناك برنامج وهناك مشروع قانون، لكن أقرب شيء لدينا هو «الجهد الوطني»، وهو التوافق الحزبي ومعظم الإنجازات الحزبية المشتركة ليست ذات هدف وطني واضح، بل مزيج من الأولويات المتنافرة التي يصعب أو يستحيل تحديد اتجاهها، وحتى عندما يكون هناك هدف واضح، فإن البرامج مصممة بطريقة تمنع تحقيقه عمليا، بل تتم معالجتها بشكل دائم.
وربما يكون هذا النهج مريحا لبعض السياسيين والمسؤولين، لكنه ليس كذلك للجمهور، لقد حان الوقت لاختيار مجال تكنولوجي، والالتزام بتحقيقه بوضوح وجدية، وشخصيا، أود أن أرى الولايات المتحدة ترسل إنسانا إلى المريخ، وأنا واثق من أن الصين ستفعل ذلك، إذا لم نفعل نحن.
ما مدى إلحاح الحاجة إلى إحياء القاعدة الصناعية العسكرية الأميركية؟
٭ نظام التسعير المعتمد على التكلفة الزائدة لمقاولي الدفاع الرئيسيين في الولايات المتحدة، يضمن بقاء التكاليف مرتفعة حتى لو بقيت الهوامش ثابتة، مما يعني أن المديرين التنفيذيين يحصلون على مكافآتهم بناء على نمو الإيرادات، دون أي محاسبة حقيقية على الربحية، وهذا يجب أن يتغير لعدة أسباب، ليس أقلها أن الشركات ذات الهوامش العالية تميل إلى الاستثمار أكثر في البحث والتطوير مقارنة بغيرها.
لكن المشكلة لا تقتصر على ذلك، فهناك نقص خطير في القدرات الصناعية الثقيلة في العديد من القطاعات، وأحواض بناء السفن مثال صارخ على ذلك. لدينا كاسحتا جليد فقط في الولايات المتحدة، إحداهما تعمل في نصف الكرة الجنوبي لمدة ستة أشهر، ثم تحتاج إلى صيانة لشهرين في سياتل بسبب الاستخدام المفرط. نضطر إلى شراء كاسحات جليد مستعملة من السويد لأننا لا نستطيع صنعها بأنفسنا، لا يمكننا حتى مد كيبلات الاتصالات تحت البحر لأننا لا نملك السفن اللازمة لذلك، بينما الصين تستطيع ذلك، وتقوم بذلك بالفعل.
عندما نفكر في الأمن والمرونة الاقتصادية، لا ينبغي أن نعتمد في أصول الأمن القومي على الوحدات الفردية أو الثنائية، كما لا ينبغي أن نعتمد على منافسينا في بناء الأشياء التي نحتاج اليها.
هل تحتاج الولايات المتحدة إلى استعادة هيمنتها بقطاعات الاتصالات والمركبات الكهربائية؟
٭ عندما يتعلق الأمر بالمركبات الكهربائية أو الاتصالات، لا تملك الولايات المتحدة خيارا، فيجب أن نكون القوة المهيمنة في هذين المجالين، ولا يوجد بديل آخر، وهذه حالة يكون فيها، على الأقل بالنسبة للقوى العالمية، المركز الثاني هو أول الخاسرين.
ولأخذ مثال أعرفه جيدا - قطاع الاتصالات - فإن هذه المسألة ترتبط بشكل كبير بكيفية توصل الهيئات الدولية إلى توافق حول المعايير الخاصة بتشغيل تكنولوجيا الاتصالات التجارية. عندما تقوم الصين بتركيب شبكة 5G جديدة من هواوي في دولة نامية بأميركا اللاتينية، فإنها لا تبيع مجرد بنية تحتية، بل تشتري أيضا مقعدا في الاتحاد الدولي للاتصالات، مما يمنحها منصة نفوذ كبيرة في نصف الكرة الغربي، لا يوجد الكثير مما يمكن قوله: الوضع غير مقبول على الإطلاق.