لم أهتم كثيرا بالساحة السياسية مؤخرا لكثرة الأحداث والأخبار المأساوية، فقررت الابتعاد عن هذا العالم لكي أصفي ذهني وأكرس طاقتي لتطوير عملي الخاص، ولكي لا أكون مصدرا للطاقة السلبية قررت ان أغير نمط حياتي وأن يكون لي دور إيجابي داخل منزلي مع أبنائي وزوجتي ولكن لا مفرّ من السياسة. يتساءل أبنائي عن الأحداث بالساحة المحلية ولماذا نحن نعيش في جو مشحون بالكراهية والعنصرية والمذهبية والحقد والغل، يفاجئونني بتساؤلات لا أجد لها جوابا. يسمعون تلك الأحاديث والأقاويل من زملائهم بالمدارس فتترك بداخلهم فضولا للبحث عن أجوبة. قبل أسبوع وتحديدا يوم الجمعة بعد صلاة الظهر، أتتني ابنتي ريان البالغة من العمر 16 عاما وكانت علامات الحزن واضحة في ملامحها وقالت لي يا أبي أنت دائما تقول لنا إن الكويت مصدر للأمان والطمأنينة وإن الكويت لا يوجد مثلها وطن وإن جميع الكويتيين أسرة واحد وإن الشعب المتمثل في (مجلس الأمة) والحكومة كليهما يتسابقان على حماية الكويت اقتصاديا واجتماعيا وأمنيا وتجاريا. قلت لها يا ابنتي لماذا هذه التساؤلات؟
قالت أصبحت أكره الذهاب الى المدرسة علما بأنني وكما تعلم من المتفوقات، وأصبحت أكره مصاحبة صديقاتي علما بأنني أعشقهن وهن جزء من حياتي، وأصبحت أكره الذهاب إلى المجمعات التجارية علما أنني أتلذذ بالتسوق، واستمرت في سرد كرهها لأشياء لا تعدّ ولا تحصى حتى أوقفتها بغضب وقلت لها بصوت عال، لماذا هذا التشاؤم وانت بعمر الزهور؟
فقالت يا أبتِ أينما ذهبت أجد عكس ما علمتني وغرسته في داخلي، فكم من مرة قرأنا وسمعنا شخصا يقتل شخصا آخر لأتفه الأمور في المجمعات التجارية، فأين الأمان؟ وكم من مرة أثناء تواجدي بالمدرسة يتكلمن عن المذاهب بتشدد وبعنف بل ويتعاركن وتتهم كل منهما الأخرى بأن صلاتها غير صحيحة وتتهم بعضهن البعض بالكفر، فأين الوحدة الوطنية؟! وهناك من قام بتفجير بيت من بيوت الله وقتل الأبرياء فأين الدين؟! وهناك من أراد بالكويت سوءا وتم القبض عليهم متلبسين بتهمة أفعال من شأنها المساس بوحدة وسلامة أراضي الكويت والسعي والتخابر مع جمهورية إيران وجماعة حزب الله للقيام بأعمال عدائية ضد الكويت، فأين الولاء لهذا الوطن؟! وهناك وهناك وهناك.. فسكتُّ لحظات دون أن أجد لتساؤلاتها جوابا، فكل كلمة قالتها كانت صادقة. كم أحزنتني كلمات ابنتي ريان وتركت جرحا عميقا في أعماقي، وأثارت بداخلي تساؤلات، لو كان هناك حزم وجدية في تطبيق القانون على الجميع فهل سيجرؤ أي شخص كان على أن يرتكب تلك الجرائم أو المخالفات أو الاستخفاف بنظام الدولة؟
ولهذا السبب تطورت الأحداث حتى وصلنا إلى هذا المستوى من الفوضى والسرقات والتآمر على أمن هذا الوطن والجرائم. كدت أن افقد الأمل في جدية الإصلاح من قبل المسؤولين، إلى أن التقيت بسعادة الوزيرة هند الصبيح وجمعني معها أكثر من اجتماع.
يا لها من امرأة رائعة، امرأة لا تعرف سوى الإصلاح، كرست كل جهدها ووقتها للقضاء على الفساد والمفسدين. فقد أعادت لي الأمل بأن هناك من يعمل لأجل هذا الوطن ويواجه ويتحدى الصعاب ويضرب بيد من حديد من أجل الإصلاح، لا تخاف من أحد سوى رب العالمين، أعطت جميع الصلاحيات في وزارتها للمديرين وأمرتهم بالقضاء على الفساد، بدأت بالبحث عن الإخفاقات والفساد داخل وزارتها والتي كانت السبب وراء الفوضى والتعدي على نظام وقوانين الوزارة وتفشي الفساد ولم يوقفها أي شيء سوى المساءلة القانونية لكل من تقع عليه اصابع الاتهام بالمستندات والأدلة ومن ثم استبدال المفسدين بمسؤولين ثقة إصلاحيين ذوي كفاءة وخبرة. وبعد ذلك خرجت إلى الشارع وبدأت المعركة مع تجار الإقامات تجار البشر حتى أدخلت الرعب في قلوب هؤلاء المجرمين ووصلت الى العديد من هؤلاء المتنفذين وأحالت بعضهم الى النيابة العامة والبعض الآخر ضيقت عليهم الطريق من خلال إصدار قوانين جديدة أبادت بها الجبناء. هند الصبيح، المرأة الحديدية التي استطاعت أن تنجز ما لم يستطع إنجازه العديد من الرجال، فهي امرأة بألف رجل. فقد غيرت مفهوم المثل الكويتي الذي يقول: «ايد واحدة ما تصفق» استطاعت أن تقضي على الكثير من السلبيات داخل وزارتها حتى اتهموها بالفساد كوسيلة للضغط عليها سياسيا بالتنحي عن منصبها فخاب رجاؤهم.
شكرا للوزيرة لأمانتها وإخلاصها لهذا الوطن. سعادة الوزيرة صفقتِ بيد واحدة بل أثرتِ الرعب في قلب كل من خالف القانون لأنهم على يقين بأن هند الصبيح ستنال منهم قريبا.