لأن كل أمر من أمور الحياة خاضع للتجربة ولأن كل تجربة قابلة للنجاح والفشل، تقتضي الحاجة بين الحين والآخر مراجعات جزئية أو شاملة للسياسات والقرارات، تبين جدوى التنفيذ على ارض الواقع، وتتيح تجاوز اختلالات قد تحدث خلال دوران عجلة الحياة.
الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية التي تمر بها المنطقة تملي على دولها ايلاء هذه المسألة اهتماما اكبر بعد الظروف الصعبة التي مرت بها المنطقة العربية وانعكاساتها على دول منطقة الخليج العربي.
الكويت التي استطاعت ان تحافظ على استقرارها وامنها بحكمة أميرها وقيادتها والتفاف الشعب حول قيادته وتساميه وترفعه عن الدعوات والاصطفافات الجالبة للخراب، بحاجة الى قراءة واعية من الجميع لتأخذ طريقها الى التنفيذ بجدية.
ان اختلال التركيبة السكانية كان مطروحا على الدوام ولم يزل لكنه لا يجد الخطوات العملية اللازمة والكافية لمناقشات جادة تنتهي الى تصورات واضحة تضع الحلول الملائمة.
والتطورات التي تمر بها المنطقة لا تترك شكا في ان افرازات الاختلال السكاني بحجمه الحالي ستكون مختلفة عما كانت عليه الامور قبل عقد او عقدين من السنين.
خطر الافرازات الراهنة والمقبلة يتطلب اداء مختلفا من المؤسسة الكويتية في تعاملها مع الظاهرة التي باتت مؤرقة للكويت والكويتيين اكثر من اي وقت مضى.
يحتاج الامر مثلا الى اعادة النظر في القوانين المتعلقة بنظام الكفيل ومنح الاقامات للوافدين بالشكل الذي يحول دون بقاء عامل وافد دون عمل حقيقي يقوم به.
ويتطلب ايضا تغليظ العقوبات على الذين يبحثون عن الربح السريع والسهل من خلال المتاجرة بالاقامات واستقدام عمالة لا تجد عملا وتتجه نحو الجريمة.
الجدية في المعالجة تتطلب بعض التأني في تطبيق الاجراءات لتؤتي ثمارها على المدى المتوسط دون ان تؤثر سلبا على دوران عجلة الحياة الاقتصادية في البلاد.
الاجراءات الموضعية المتخذة تستحق الاشادة لكن الامر لا يخلو من حاجة لإجراءات شمولية تقطع طرق الالتفاف على القانون، وأعني هنا اصحاب الاجندات، مما يتطلب عدم الاكتفاء بالتشديد على مخالفي الاقامات وقد يكون بينهم من لا يشكل خطرا.
هناك حاجة لمنع التدفق الهائل الذي شهدته البلاد بعد تحريرها من الاحتلال الغاشم وخصوصا في السنوات الست الاخيرة والذي احدث تخمة كبيرة في الكويت اعاقت التنمية وأحدثت البلبلة.
بعض الخلل يكمن بموظفين في مؤسسات كبيرة يتقاضى الواحد منهم ما يزيد على ثلاثة آلاف دينار اضافة الى بدل السكن، وكثير من هؤلاء يسكن مع اثنين او ثلاثة في شقة واحدة لا يتعدى ايجارها 300 دينار، يتمتعون بكل الخدمات الصحية التي توفرها البلاد، ويحولون ثلثي رواتبهم الى بلادهم، مما يعني ان الرسوم المفروضة التي تدفعها مؤسساتهم لا تتعدى 10% من الخدمات، وهناك فتيات من جنسية معينة ممنوعة من دخول البلاد الا مع عائلتها، تقوم بعقد زواج صوري مع وافدين وعندما تحضر تطلق وتسرح في الليالي، وآسيويات يتم استغلالهن للغرض نفسه، والأكثر خطورة يتمثل في مدعي رجال دين يخطبون في المساجد، ويعقدون حلقات تعليمية خاصة برعاية مواطنين رغم ان الخطب مراقبة من وزارة الأوقاف، وكل حالة من هذه الحالات وغيرها تجعل تضافر جهود السلطتين التشريعية والتنفيذية امرا ملحا لوضع قوانين رادعة وواضحة لا تحتمل الالتباس والمناورة والتحايل.
ما نحن بصدده اخطر مما يتصوره البعض، يطول التركيبة السكانية، وامن الوطن والمواطن، ومستقبل الاستقرار في البلاد، ويرهق الموازنة، يضع الكرة في ملعب المسؤول والمواطن، ويحتم وضع الجميع تحت القانون دون استثناء او تدخلات تمنع تطبيقه.
قالوا: «ان درهم وقاية خير من قنطار علاج» ونرى ان اكثر القرارات والاجراءات نفعا ما يتخذ في حينه، وأظننا تأخرنا في هذه الخطوة.