حلم لم يأت من فراغ، ولم يأت من وهم. حلم أتى من بصيرة، ومن حقائق متناثرة هنا وهناك. حقيقة أن الشعب الكويتي، شعب مختلف، شعب متميز، شعب مثقف، شعب سباق لكل ما هو أفضل. تميزنا في الفنون، في السياسة، في الرياضة (رغم إخفاقاتنا) ونتميز بالعلم والثقافة. ولكن جزئية العلم لم يلتفت اليها أحد ولم يطالب بها أحد ولم تكن حلما من أحلام الباحث الكويتي.
لم يكن لها لا تجمع ولا هوية ولا موجة يتسلقها الباحثون في الكويت لصنع ايديولوجية وهوية للباحث العلمي الكويتي.
أحلم كوني أعيش منذ سبع أعوام في أفضل دولة من دول العالم لإنتاج وتصدير البحث العلمي، أحلم كوني منذ سبعة أعوام ادرس في أفضل الجامعات الأميركية المختصة في البحث العلمي، جامعة ولاية أريزونا.
وبين حين وآخر أعيد التأمل والتفكر في أعوامي السبعة وأتساءل، هل ملك زملائي الأميركان ما لم يستطع تملكه الباحث الكويتي من ذكاء فائق أو علم فذ؟ بالتأكيد هناك سر وراء هذا النجاح العظيم كأفضل دولة لإنتاج وتصدير البحث العلمي. بعد تساؤلاتي العديدة، اتضح لي ان في الإظهار إخفاء، ففي سؤالي كان جوابي. ما أنصفت حين حسبت أن الفرد الأميركي أذكى ممن سواه، كل ما في الأمر أن زملائي الأميركان ومن سبقوهم أيقنوا نتاج خلق البيئة الصحية للبحث العلمي، فأصبحوا سباقين فيه. والدليل الأكبر ان طالب الدراسات العليا الكويتي عندما يتغرب في أميركا ويكون ضمن هذه البيئة الصحية والأنظمة المنتجة فإنه يتفوق ويبرز ويقدم البحوث المميزة التي يشهد لها العالم. فالبحث العلمي ما هو إلا نتاج أنظمة مؤسسات، وليس قدرات أفراد.
وعندما ذكرت أعلاه أنه نتاج أنظمة مؤسسات، فلن أنتقد الحكومة الكويتية الانتقاد السلبي، كما يفعل الكثير من المواطنين الكويتيين. فأنا هنا أكتب من منظور الباحث العلمي الذي يتسم بأخلاقيات مهنته بالابتعاد عن الانحيازية والشخصانية في الطرح، وتبني الموضوعية كمنهج إيجابي في الانتقاد البناء. فإن نظرت وتأملت، وجدت ان الكويت تمتلك جميع المقومات لتكون دولة منتجة للبحث العلمي.
الكويت تمتلك مؤسسة الكويت للبحث العلمي فهي مؤسسة ممولة لمشاريع بحثية وعلمية كبيرة سواء للباحث الكويتي والمؤسسات في القطاعين العام والخاص. بالإضافة تقدم المؤسسة جوائز تحفيزية للبحث العلمي كجائزة الكويت، جائزة البحث العلمي، جائزة الكويت للمحتوى الإلكتروني، جائزة أنور النوري، وجائزة السميط للتنمية الأفريقية. بالإضافة إلى الدورات التدريبية مع أكبر الجامعات الأميركية كجامعة كاليفورنيا بيركلي، جامعة هارفارد، مؤسسة ماساشوتس للتكنولوجيا وغيرها الكثير.
الكويت أيضا تمتلك معهد الكويت للبحث العلمي المصدر لأبحاث متميزة وطاقم علمي بحثي متكامل يقدم الاستشارات وخدمات المختبرات التحليلية والمعلومات. الكويت أيضا تمتلك مؤسستين تعليميتين، جامعة الكويت والهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب، بعدد هائل من المؤهلين في البحث العلمي سواء طلبة متميزين، أو دكاترة وبروفيسورات يصل عددهم الى أكثر من ٤٠٠٠ دكتور. مثل هذه المؤسسات العلمية قد تكون حقلا للبحث العلمي، وتنافسها الجامعات الخاصة في خلق روح المنافسة المثمرة. وأخيرا الشعب الكويتي شعب معطاء فلا ننكر دور الأفراد والمؤسسات الفردية التي تدعم التحركات العلمية.
وبعد أعوامي السبعة، أحلم وأطمح الى رؤية الكويت عاصمة البحث العلمي في الشرق الأوسط. وحلمي ليس بالمستحيل. أعتقد ان معادلتنا في ان تكون الكويت إحدى العواصم العالمية للبحث العلمي معادلة مقلوبة رأسا على عقب. فإن نظرت وتأملت، وجدت الكويت تمتلك جميع المقومات لتكون دولة منتجة للبحث العلمي. فلدينا باحث علمي كويتي متميز وبوفرة، ولدينا حكومة داعمة متجهة إلى التغيير خصوصا بعد إعلانها لخطة التنمية «كويت جديدة ٢٠٣٥». ولكن ينقصنا خلق الثقافة والحضارة التي تقدر البحث العلمي وخلق حوار يقرب كل هذه الفرص المتناثرة. باختصار ينقصنا تجمع للباحثين نحلم جميعا ونتسلق الموجة التي اتمنى ان تكون موجة عالية تكفي لتحويل الحلم إلى حقيقة. الكويت عاصمة البحث العلمي في ٢٠٣٥.