المساجد بيوت الله، وأماكن عبادته، وهي خير البقاع، يكرم الله عمارها وزواره فيها، ويثيب على الخُطى إليها (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ (36) رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ (37))
(النور).
وروى مسلم في صحيحه بسنده عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «أحب البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها». بل إن هناك صنفا من الناس من الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله هم من كانوا متعلقين بالمساجد، روى الإمام مالك في موطئه بسنده عن أبي هريرة، أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سبعة يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله... ورجل قلبه متعلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه»، كأنه شبهه بمثل القنديل إشارة إلى طول الملازمة بقلبه، ويحتمل أن يكون من العلاقة وهي شدة الحب، وتدل عليه رواية أحمد: معلق بالمسجد، فَجُوزِيَ لدوام محبة ربه وملازمته بيته بظل عرشه، فالمؤمن في المسجد كالسمك في الماء، والمنافق في المسجد كالطير في القفص.
لما قَدِم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، بنى بيتاً لله يتواصل المسلمون فيه ويتلاقون إلى جانب عبادة الله فيه، وإليك هذا الحديث الذي به يتبين لك عظم أمر المسجد والجماعة، فالمسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمثل الجامعة، والبرلمان، والمنتدى الإسلامي، وهو المحكمة التي تقضي بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالمسجد يجب أن يأخذ دوره الحقيقي، فهو المكان الذي يخرج العلماء، ومنه يخرج المصلحون، هو المكان الذي يبعث الخير للحي الذي يقع فيه.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يهتم لأمر امرأة من النساء الفقيرات كانت تنظف المسجد، عمل تتقرب به إلى الله، فافتقدها النبي ثم صلى عليها.
المساجد أمرها عظيم جليل، لذلك حث نبينا صلى الله عليه وسلم على بنائها ولو كان البناء صغيرا، روى ابن ماجه في سننه بسنده عن جابر بن عبدالله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من بنى مسجدا لله كمفحص قطاة، أو أصغر، بنى الله له بيتا في الجنة».
كمفحص قطاة: هو موضعها الذي تجثم فيه وتبيض، لأنها تفحص عنه التراب، وهذا مذكور لإفادة المبالغة. وإلا فأقل المسجد أن يكون موضعا لصلاة واحد.
المسجد منذ أن وجد هو بمنزلة مؤسسة للصغار والكبار، للرجال والنساء، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمنع الصغار عن المسجد، بل كانت له مواقف معينة تؤكد اهتمامه بهم، فقد روى البخاري في صحيحه بسنده عن أبي قتادة، قال: «خرج علينا النبي صلى الله عليه وسلم، وأمامة بنت أبي العاص على عاتقه، فصلى، فإذا ركع وضع، وإذا رفع رفعها».
نرجو أن تكون مساجدنا اليوم كما كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلفنا الصالح، مساجد تجمع الناس على الخير، توحد الصف، مساجد تسعى لجمع الكلمة ونشر الخير والألفة.
ما أعظم المساجد، وما أعظم أجر بانيها والساعي فيها بالخير! وأتوجه إلى الخطيب وإلى الإمام وإلى الواعظ وإلى المحفظ وإلى المسؤول عن أمر المسجد، أقول لكم جميعا: عليكم أمانة عظيمة، وواجب كبير فأحسنوا أداء واجباتكم، وأخلصوا في أداء أعمالكم، واسعوا لجعل المسجد منارة للخير والألفة والمحبة والعلم، فقوتنا في التمسك بكتاب الله وتعمير بيوت بالخير، ويتحقق ذلك كله في أن نجعل المسجد منارة للعلم الديني والدنيوي من حض على تعلم العلوم، وحث على الخير، ونشر للفضائل ونشر للألفة.