تدهشني الأحداث الأخيرة التي تحدث مع السفارة الفلبينية، فسيادة دولة تستباح بشكل رسمي ويدخل الدولة فريق إنقاذ أجنبي خاص بشكل رسمي لتهريب عمالة تعمل بعقود رسمية وبشكل رسمي ويصرح سفيرهم بكل ذلك أيضا بشكل رسمي!
وما يقلقني حقيقة، الرسمية التي تنتهك بها الحقوق وتستباح بها هيبة دولة وحكومتنا في سبات، وان كان لديها رد فعل فهو لا يتناسب مع حجم وعظم الأمر الذي نعيش.
نعلم ان دولة الفلبين تقدمت مرارا وتكرارا بشكاوى للخارجية الكويتية تشتكي من انتهاكات تعرض لها بعض رعاياها بالبلاد وعدد من هذه الانتهاكات تعتبر جسيمة، وهذا الأمر قديم، ومع الضغط المتوالي تم التعاون مع الداخلية لتسهيل تقديم الشكاوى وتفعيل النظر بها تبعا للقوانين الكويتية، وبالتعاون مع السفارة الفلبينية، إلا أن هذه الإجراءات باءت بالفشل ولم تقدم أو تؤخر بوضع الشكاوى وزاد الضرر خاصة على صاحب الشكوى والمتضرر، وهذا بسبب استهانتنا بالقانون نتيجة لعدم فهمنا له ولأهميته فبدأنا نسيء تطبيقه ونتعدى عليه وفقدنا احترامنا له، فالغالب منا اليوم ككويتيين أصبح مضطرا لإيجاد «معرفة» حتى يأخذ حقه بالقانون ويخلص أموره بالطرق المشروعة، فما بالنا بغير الكويتي وصاحب مهنة بسيطة لا تتيح له تكوين «معارف ذات وزن» تسهل له تمرير أموره بالقانون.
كما نعلم، أيضا، أن من حق أي دولة حماية رعاياها بأي دولة بالعالم فهذا من صميم دور الحكومات، فنحن مثلا نستاء أن لم تقم حكومتنا من خلال سفاراتها بحمايتنا بأي دولة نتعرض بها لخطر أو انتهاك، فالعمل بوظيفة خادم لا ينفى صفته الإنسانية وحقوقه الإنسانية تباعا. فالفكر والثقافة الرجعية التي يحملها بعضنا أن الخادم أو العامل لا حق له لأنه ضعيف، أو لأنه ضعيف فيمكن أن تستباح حقوقه، هو أساس المشكلة اليوم، وهذا السبب أو الخلل ليس موجودا بالخادم أو العامل الذي أتى ليكسب ماله وليعيش بكرامة لكن موجود عندنا وبيننا كأصحاب عمل.
السكوت عن الخطأ يولد خطأ أكبر وهذا ما حصل، فالسكوت عن خرق القانون وعدم تطبيقه وكسره واستباحته وصل إلى مساس شرائح أخرى غير كويتية بالدولة وأثر على علاقات دولية مع دول أخرى، كما أن هذا السكوت والاستهانة بقانوننا وسيادته حدى بدولة أخرى إلى أن تستخدم فرق إنقاذ خارجية لإنقاذ رعاياها من بعد ما أيقنت سوء الإدارة الحكومية لدولتنا وكسرها للقانون وعدم احترامها له وقفزها عليه مما أدى إلى ضعفها وقلة حيلتها في حل الأمور والقضايا.
بوجود هذا الوضع الحساس والواضح المعالم والأسباب أتعجب ممن يزيد «النار حطبا» ويصرح بحديث يدعو لطرد البعثة الديبلوماسية الفلبينية وتقديم شكاوى رسمية وقطع التعاون مع الفلبين وإيجاد دول بديلة لاستقدام العمالة، فمن يصرح وينشر هذا الحديث هو حتما صاحب مصلحة مثل أن يكون صاحب مكتب خدم او نائب او مسؤول يتكسب على ضجة هذه القضية بكلام لا يلامس عمقها ولا حكمة معالجتها، فالقضية ليست في دولتهم لكن في دولتنا، المشكلة في ثقافتنا التي تستهين بالعمل البسيط وعليه تؤكل حقوقه او يتعدى عليه، وفي كسرنا للقانون وعدم احترامنا له وفهمنا بأنه هو طوق النجاة الذي سيحمينا ويحمي وطننا أن تعلمنا ثقافة القانون قبل أن نطبقه.
متى ستعي حكومتنا أننا نعيش فوضى عميقة في دولة تدعي القانون والمؤسساتية، متى ستفهم أن القانون قبل تطبيقه، هو ثقافة يجب ان تبدأ هي بزرعها وتطبيقها أولا وبين مسؤوليها الذين يجب ان يعوا أهمية القانون من خلال عدم استغلالهم لمناصبهم الحكومية وعدم كسر القانون وعدم ممارسة ثقافة القفز على القانون والاستغلال، فقضية الفلبين هي نتيجة لفوضتنا بدولتنا وفسادنا الذي وصل مداه لدول خارجية.
www.aliafaisalalkhaled.net