الصفة الدائمة الملازمة لحكوماتنا هي أنها حكومة متسيبة، غير قادرة ولا تمتلك زمام الأمور والسيطرة، لكن في الواقع هي حكومة قادرة. ومثال على ذلك قانون المطبوعات والنشر والجرائم الإلكترونية، حيث قدرت الحكومة من خلال موادها أن تلجم أفواه وتكبح من حرية الرأي بشكل لم نشهده من قبل، فالمادة 6 من قانون الجرائم الإلكترونية تم ربطها بالمادة 27 من قانون المطبوعات والنشر رغم استياء العاملين به كون قانون المطبوعات والنشر مطاطاً ويحتمل التأويل.
وصل بنا الحال، كنتيجة لذلك، إلى أن بدأ بعضنا بالتعبير عن رأيه من خلال الإيماءات والإشارات، لا لخلل برأيه لكن تفاديا لأي تأويل لمقصده يمكنه أن يغرمه أو أن يزج به في السجن.
كما فتحت هذه القوانين الباب لدكاكين المحاماة وبعض ضعاف النفوس إلى أن يقتاتوا ويتكسبوا على هذه القوانين المطاطة الهشة، ومؤخرا رأينا كيف تم استخدام هذا القانون بشكل تعسفي ضد عبدالله الجاسر واستطاع هذا الحدث أن يقسم المجتمع الكويتي إلى قسمين بين معارض ومؤيد نتيجة لخطأ (ناتج عن رد فعل دون نية مسبقة) قام به عبدالله، وسبب معارضة المعارضين هو أسلوب التعسف بالتعامل مع الخطأ بسبب هذا القانون السيئ.
كان بالإمكان معالجة واحتواء هذا الحدث من خلال اعتذار رسمي للشعب من قبل المخطئ (وهذا برأيي حق للشعب طالما به جزء شعر بالإساءة) وإلزامه في أعمال تطوعية مجتمعية لفترة زمنية ليتعلم منها المخطئ صواب خطئه ويكون أكثر قربا من مجتمعه ولا يرفض، عوضا عن الحبس والغرامات ومشاعر الانتقام واللوم.
هدف القانون الأسمى هو تنظيم العيش بين الأفراد وتحقيقه بشكل سلمي عن طريق وضع قواعد سلوك ناتجة عن ثقافة أفراد المجتمع لتحدد الحقوق والواجبات بكل عدالة ومساواة ويكون به الجزاء على قدر الخطأ وإجراءاته تحترم كرامة الفرد الإنسانية، ويرى البعض أن القانون علم من العلوم الاجتماعية كون موضوعه الأفراد وتنظيم السلوك فيما بينهم، لذلك يعتبر القانون موضوعا كبيرا ومتغيرا تبعا لتغير الزمان والظروف الثقافية للمجتمع ومعياره عادة ما يشكل خلافا بين واضعيه، إلا انه رغم هذا التغير والخلاف يجب أن يعكس جوهره وهو التعايش السلمي للمجتمع وإلا يخرج عنه.
قانون المطبوعات والنشر والجرائم الإلكترونية لا يعكسان هدف وروح القانون، فهما فتحا مجالا للدخول بالنوايا من خلال مطاطيته وفقد أساس التعايش السلمي.
إدارة أي دولة تحتاج إلى قوانين متوازنة موضوعية بشكل أساسي والالتزام بها أمر حيوي كما هو أمر تطبيقها، إلا أن صياغتها بنوايا سيئة مسبقة والتعسف في استخدامها يجعلها استبدادا ويفرغ الإدارة التي تستخدمها من هدفها في بناء دولة وتنظيم علاقات المجتمع ودفع الشعب نحو تحقيق أهداف تنموية، لأنها بالنوايا السيئة المسبقة وبالعقاب التعسفي ستخلق مشاعر سلبية أهمها الانتقام واللوم.
لذلك أقول «قدرتي» يا حكومة على إيجاد هكذا قوانين سيئة تقمع الآراء وتدخل بالنوايا وتحاسب بالتأويل، لكن «ما قدرتي» على معالجة الفساد والتركيبة السكانية وقضية المزورين والبدون وغيرها من قضايا البلد الأهم، لأن هذا الأمر ببساطة «تبينه» أما الأمور الأخرى «ما تبينها».
www.aliafaisalalkhaled.net