إن لشريعة الإسلام حرمة عظيمة، لا يجوز انتهاكها، ولا يحل تنقصها، ولها أحكام، لا يجوز تغييرها ولا تبديلها، وإن من التعدي على حرمة الشريعة وأحكامها نشر فتاوى شاذة وأقوال ساقطة، تهدم ولا تبني، بل تثلم الدين، وتثير البلبلة والفتنة، وتفتن ضعاف العقول والعلم والدين، لأنها تظهر الحق في صورة الباطل، وتظهر الباطل في صورة الحق، يقول الإمام مالك - رحمه الله تعالى-: «أخبرني رجل أنه دخل على ربيعة بن أبي عبدالرحمن فوجده يبكي، فقال له: ما يبكيك؟ أمصيبة دخلت عليك؟ فقال: لا، ولكن استفتي من لا علم له».
وإن من المخاطر العظيمة التسرع في الفتيا بغير علم، والقول على الله - تعالى - بلا حجة، والإفتاء بالتشهي والتلفيق، والأخذ بالرخص المخالفة للأدلة الصحيحة، وتتبع الأقوال الشاذة المستندة إلى أدلة مرجوحة أو منسوخة أو ضعيفة، التي لا تخفى على من له أدنى بصيرة.
والخطر يزداد حينما يتم الخوض في نوازل عامة وقضايا حاسمة ومهمة بلا علم صحيح ولا روية، يخبطون خبط عشواء، ويأتون بما يضاد الشريعة الغراء، ويستنكره العامة ربما قبل العلماء، ويقولون باسم الإسلام والإسلام منه براء.
قال سحنون بن سعيد - رحمه الله-: «أجسر الناس على الفتيا أقلهم علما». وقال ابن وهب: «سمعت مالكا يقول: العجلة في الفتوى نوع من الجهل والخرق»، وقال الإمام مالك -رحمه الله تعالى-: «ما أفتيت حتى شهد لي سبعون أني أهل لذلك»، يعني سبعين من أهل العلم، وقال عبدالرحمن بن مهدي: «كنا عند مالك فجاءه رجل، فقال يا أبا عبد الله: جئتك من مسيرة ستة أشهر.. حملني أهل بلدي مسألة أسألك عنها، فسأل الرجل عن المسألة، فقال الإمام مالك - رحمه الله تعالى -: «لا أدري»، فبهت الرجل! وقال الرجل: أي شيء أقول لأهل بلدي إذا رجعت إليهم؟ قال: تقول لهم: قال مالك: لا أدري».
وقال المروزي: «سمعت أبا عبدالله أحمد بن حنبل يقول: ليتق الله عبد ولينظر ما يقول وما يتكلم به، فإنه مسؤول»، وقال بعض السلف: (ليتق أحدكم أن يقول: أحل الله كذا وحرم كذا، فيقول الله له: كذبت لم أحل كذا، ولم أحرم كذا (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون متاع قليل ولهم عذاب أليم) (النحل: 116، 117)، (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) (الأعراف: 33).
إن الأفكار الزائغة والعقائد المنحرفة والأقوال الشاذة لا تظهر إلا بترك مجالسة العلماء والأخذ عنهم، وأخذ العلم والفتوى عن أهل الجهل والهوى، فعن عبدالله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يترك عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا» متفق عليه، وتزداد مخاطر هؤلاء الذين يضلون الناس بفتاويهم إذا استنقصوا العلماء الراسخين، ونفروا الناس من فتاويهم وكتبهم، قال عنهم الإمام الشاطبي -رحمه الله تعالى-: «وربما ردوا فتاويهم وقبحوها في أسماع العامة، لينفروا الأمة عن اتباع السنة وأهلها».
فاحذروا من هذه الفتاوى الشاذة، ووقروا علماءكم الراسخين في العلم المشهود لهم بالفضل والعلم والدين وخذوا العلم عنهم، فهذا هو طريق السلامة من هذه الفتن العظيمة.