تواصل عجلة الحياة دورانها، وكل يوم وآخر نفقد صديقا أو عزيزا من بيننا، إنها سنَّة الحياة (كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام).
ومع إيماننا بالقضاء والقدر، وتسليمنا الكامل بأنه لا بقاء في هذه الحياة الفانية إلا وجه المولى عز وجل تباركت أسماؤه وتنزهت صفاته، إلا أننا نتأثر برحيل أحبائنا وأصدقائنا، فالفراق له ألم خاص، لا شك أننا جميعا ذقناه وعانينا منه.
ومع كثرة الراحلين من بيننا كل يوم، تظل هناك شخصيات تبقى طويلا بسيرتها العطرة ولمساتها المؤثرة، وعطاءاتها الكبيرة، وإنجازاتها المتعددة، وعلى مدى الزمن تظل هناك أسماء محددة محفورة في ذاكرة البشر بسبب إبداعاتهم ونبل أخلاقهم.
قبل يومين وصلني خبر رحيل المغفور له بإذن الله تعالى أستاذ الأدب العربي السابق في جامعة الكويت البروفيسور د.عبدالله أحمد المهنا، الذي وافته المنية خارج البلاد، وبقدر ما أصابني من ألم على رحيل البروفيسور المهنا بقدر ما استعادت ذاكرتي الكثير من المواقف التي تضعه، رحمه الله، بين الصفوة الذين حفروا أسماءهم بأحرف من النور، فقد كان د.عبدالله المهنا أحد العلماء العظام في جامعة الكويت، وعلى مدى تاريخه الطويل الممتد كان حريصا على تشجيع الطلبة على العلم والثقافة في مختلف فنون المعرفة، ولا يتوانى عن دعم المتميزين وتوجيههم الى الاستمرار في البحث والتعلم ليكون لهم دورهم المؤثر في خدمة هذا الوطن الغالي.
د.عبدالله أحمد المهنا، رحمه الله، حصل على الدكتوراه في الشعر العربي القديم من جامعة كمبريدج في بريطانيا عام 1975، وعمل أستاذا في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة الكويت حتى تسلم رئاسة القسم في عام 1979، ثم تولى عمادة الكلية.
كما شغل د.المهنا، طيب الله ثراه، عضوية عدد من الهيئات العلمية منها عضوية مجلس إدارة المعهد العالي للفنون المسرحية، ومجلس أمناء المركز العربي للوثائق، وعضوية لجنة الإبداع في المجلس الوطني للثقافة، كما ترأس تحرير المجلة العربية للعلوم الإنسانية، ومجلة عالم الفكر، وأمين سر المجلس العلمي الاستشاري لمدير الجامعة، كما عمل مستشارا لمركز عبدالعزيز البابطين لحوار الحضارات.
وللراحل الكثير من المؤلفات والبحوث والدراسات المهمة التي أثرت المكتبة العربية والكويتية في مجال الأدب العربي، وستبقى إبداعاته الأدبية علامة مميزة ينهل منها كل محبي الأدب العربي والمقبلين على دراسته.
في بداية حياتي العملية، أتذكر كيف كان المغفور له بإذن الله د.عبدالله أحمد المهنا، يشجعني ويحفزني، لاسيما مع التحاقي بوكالة الأنباء الكويتية (كونا) وكان لدعمه دور كبير في تطوري الوظيفي حتى صرت أحد مديري تحرير الوكالة قبل أن أختار التقاعد بمحض إرادتي.
سيظل الراحل المهنا عَلَماً في سماء الثقافة الكويتية، وستظل جهوده وأفضاله تطوّق عنق طلابه الذين تبوأ عدد كبير منهم مناصب كبرى في الدولة. نسأل المولى عز وجل أن يتغمده بواسع رحمته ويسكنه الفردوس الأعلى مع الصديقين والشهداء.
ولا نملك في هذه المناسبة الأليمة إلا القول (إنا لله وإنا إليه راجعون).
[email protected]