باسل المصري
يحتفل المصريون اليوم بالذكرى الخامسة والأربعين لنصر حرب أكتوبر المجيدة تلك الملحمة التي سطر فيها الجيش المصري أعظم انتصاراته على العدو، والتي ـ قطعا ـ لم تكن وليدة ذلك اليوم، ولكنها كانت حصاد جهد وعرق ودماء أبناء مصر جميعا، ورجال قواتها المسلحة، ولعل من يقرأ تاريخ هذا اليوم بتمعن يجد فيه الكثير من الدروس المستفادة التي تحتم علينا اليوم المطابقة بين ما جرى وما يجري من ملاحم يقودها أبطالنا في كل أرجاء الدولة للقضاء على الإرهاب، بمدلول آخر فإن استقراء الخبرة التاريخية، وتحليل الواقع المعاصر والتنبؤ بالمستقبل والإعداد له هو عملية تقييم وتقدير للأبعاد والسياسات والتي لا بد ان تتم من خلال منظومة متشابكة تتضمن دروس الماضي وتحديات الحاضر، واحتمالات المستقبل، فتلك الحرب المجيدة سبقتها مراحل إعداد استمرت لـ 6 سنوات والتي نجيزها في التالي:
أ- مرحلة الصمود 1967 (14 شهرا)
ب- مرحلة الدفاع النشط 1968 (6 أشهر)
ج- مرحلة الاستنزاف 1969 (18 شهر)
د- مرحلة إيقاف إطلاق النار (1970 - أكتوبر 1973) 39 شهرا من العمل في صبر وصمت واستيعاب دروس حرب الاستنزاف والتخطيط والتجهيز لحرب 73.
فعلى الصعيد السياسي، استطاعت مصر على مستوى الأمم المتحدة من كشف السياسة التوسعية لإسرائيل، أما في المجال الأفريقي فكان مؤتمر القمة الأفريقية في يونيو 1971، وعلى صعيد دول عدم الانحياز فقد تم تأييد موقف مصر من جانب دول مجموعة سنة 1970 في تونس، وفي نطاق المنطقة الأوروبية كان هناك اتفاق تعاون صداقة - مع روسيا وتحسين موقف بريطانيا تحسين العلاقات مع ألمانيا.
أما الوطن العربي فقد كان في أزهى صور التآخي بين الدول وشعوب المنطقة، فكان إعلان وزراء الخارجية العرب بتخفيض إنتاج البترول بنسبة 5% كل شهر للدول التي تؤيد إسرائيل وازداد تأثير هذا القرار فاعلية بإعلان الدول العربية المنتجة للبترول تباعا في الفترة 15 - 21 أكتوبر قراراتها بوقف تصدير البترول الى أميركا والدول المؤيدة لإسرائيل إلى ان تنسحب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة.
والآن وبعد قرابة نصف القرن من تلك الملحمة البطولية أضحت مصر تواجه تحديات متعددة في ظل عالم تتداخل وتتشابك فيه مصالح الدول، لتكمن الخطورة في الأحداث غير المتوقعة والتي تغير حتما الرؤية المستقبلية وتتطلب القدرة على التكيف والمواءمة لتلبية المتطلبات المستحدثة دون تأثير رئيسي على تحقيق المصالح والأهداف، حيث تخوض القوات المسلحة المصرية والشرطة المدنية أشرس أنواع الحروب في عالمنا المعاصر ضد الإرهاب سواء في سيناء الشمالية أو أرجاء المحروسة حسب بينات عملية سيناء 2018، والذي ظهر بعد ثورة 30 يونيو وفرض الشعب نفسه كطرف فاعل في إفساد الخطط الإستراتيجية التي كانت معدة للتطبيق باشتراك قوى دولية وتنظيمات داخلية لدعم بناء حكم الإسلام السياسي وإعادة رسم خريطة مصر جديد.
حيث تعرف الحروب الحالية والتي تحمل اسم الجيل الرابع بحسب مفاهيم المتخصصين في إسرائيل بأنها الحرب بالإكراه وإفشال الدولة وزعزعة استقرارها ثم فرض واقع جديد يراعي المصالح الغربية بواسطة منظمات المجتمع المدني وشبكات التواصل الاجتماعي وتوجيه الإعلام وتمويل المواقع الإلكترونية.
لكن باستلهام روح نصر أكتوبر نعي رسالة أبطالنا آنذاك حول النصر أو الشهادة بتكاتف أبناء الأمة لبناء مصر الجديدة، رغم كل التحديات والتهديدات التي تحاك لها.