كيف بدأت عملية الصباغ؟
بعد الكثير من التنقيبات، اُكتشف في مجموعة من الكهوف في جنوبي أوروبا، حيث عاش الإنسان قبل خمس وعشرين ألف سنة، أن هذا الإنسان القديم ترك رسوما تدل على براعة في صباغة الأشياء وتلوينها.
من الثابت انه، وفي فترة بناء الأهرامات في مصر قبل ست آلاف سنة كان فن الصباغة، من الفنون القديمة المتوارثة، وكان المصريون القدامى متفوقين جدا في هذا الفن، لأنهم صبغوا الصوف والحرير والكتان والقطن بالعديد من الألوان الأخاذة.
وهنا يتبادر إلى الأذهان السؤال الكبير: من أين كانوا يحصلون على الألوان؟ فالأبحاث والتاريخ وكل ما حصل الإنسان المعاصر عليه جواب عن هذا السؤال، يؤكد استعمالهم للأعشاب، والجذور، وقشرة الشجرة والحبوب وثمر التوت، والعليق، والجوز، ودم «المحار»، وإفرازات الحشرات.
وإذا عدنا الى الفينيقيين القدامى نجدهم قد تدربوا على الغطس في أعماق البحار، وهم الذين أرسلوا اخصائيين في الغطس الى شواطئ مدينة صور في مياه البحر الأبيض المتوسط ليصطادوا لهم من هذه البقعة ما يُسمى بالمريق: Murose وهو حيوان بحري من ذوات الأصداف، ويحمل أكياسا صغيرة في مؤخرة الرأس، وهذا الحيوان يفرز عادة مادة ثخينة بيضاء وسائلة، وعندما تمدد على قطعة قماش وتعرض في الهواء وحرارة الشمس يتبدل لونها من الأبيض الى الأزرق، ثم الأرجواني وان نُظفت بالصابون فإنها تأخذ اللون القرمزي الحاد.
ولقد كان هذا اللون المستخرج من الحيوان البحري مرغوبا بشدة، ولم يكن الحيوان ليتواجد إلا على شواطئ صور فقط، لهذا اعتمده النبلاء في روما للتمييز بينهم وبين عامة الشعب وسعوا بجهد للحصول عليه، اما تكاليف هذا النوع من الصباغ النادر فقد كانت باهظة جدا، اذ يصل ثمن «الباوند» او النصف كيلو، من القماش الكتاني الأرجواني اللون الى ما يُعادل ستمائة ريال اميركي أو أكثر، ولفترة طويلة من الزمن كانت الطبيعة هي المورد الوحيد للإنسان في الحصول على أنواع الصباغات المختلفة.
وقبل مائة عام تقريبا، تمكن الإنسان من اكتشاف طريقة لتوليد الصباغات من سائل فحمي يدعى «مير» Coal tar وهو مادة لزجة سوداء اللون ومن حصيلة الفحم الخفيف عندما يحول الى فحم «كوك» Coke وكان الاعتقاد الجازم قبل ذلك ان هذه المادة من سائل الفحم عديمة الفائدة ولا يمكن الاستفادة منها قط، وبعد هذا الاكتشاف أصبحت ضرورة ملحة لجميع أنواع الصباغات وحتى الكيميائيات.
(من كتاب: غرائب الاختراعات والاكتشافات)