- المجيبل: الحرية للإنسان بمنزلة الروح للجسد لا يمكن أن يحيا بدونها وأؤيد الرقابة اللاحقة على أن يكون القضاء سلطة الفصل
- التعريف الأبسط للحرية هو القدرة على اتخاذ القرارات والأفعال دون قيد خارجي
- حرية الرأي تتلخص في حرية البحث عن المعلومة والحصول عليها وتحليلها ونشرها
- المحميد: لا توجد مزاجية في منع الكتب ونقوم بإسقاط القانون على الملاحظات موضوع النقاش
- الكلمة مسؤولية كبيرة ويمكن أن تتسبب في حروب بين دول وأن تدمر علاقات
- أعضاء لجنة الرقابة ليسوا على توافق تام وقرارها بالإجازة أو المنع يتم بالأكثرية
دارين العلي
نظم ملتقى «نقاشنا» مساء اول من امس مناظرته الحادية عشرة في مركز البروميناد الثقافي، والتي طرحت سؤال «هل تؤيد وجود الرقابة على الكتب؟»، شارك فيها كل من عضو لجنة الرقابة فيصل المحميد وأستاذ الاتصال الاستراتيجي ودراسات المجتمع في جامعة الكويت د.ناصر المجيبل، وبحضور عدد كبير من المهتمين.
مفهوم الحرية
بدأت المناظرة بمقدمة من الأستاذ في ثسم الإعلام بجامعة الكويت د.ناصر المجيبل، تطرق فيها لمفهوم الحرية الذي عجز عن توضيحه أغلب الفلاسفة، واصفا إياها بأنها بالنسبة للإنسان بمنزلة الروح للجسد، فالروح لا يمكن تعريفها لكن لا يمكن للجسد أن يحيا من دونها، وكذلك الحرية لا يمكن تعريفها لكن الإنسان لا يمكن أن يكون إنسانا من دونها.
ولفت إلى أن التعريف الأبسط للحرية هو القدرة على اتخاذ القرارات والأفعال دون قيد خارجي، كما أن حرية الرأي تتلخص في حرية البحث عن المعلومة والحصول عليها وتحليلها ونشرها.
وأكد أن المجتمعات العربية قصرت وبشدة في تأسيس فكرة الحرية المستمدة أساسا من الدين الإسلامي، حتى ظهر للبعض أن الحرية بمفهومها الغربي تتناقض مع ما نؤمن به أحيانا.
الحرية والمسؤولية
وانتقل الكلام بعدها إلى عضو لجنة الرقابة على الكتب فيصل المحميد، فأكد أهمية وجود الرقابة لأن الكلمة مسؤولية كبيرة يمكن أحيانا أن تتسبب في حروب بين دول، وان تدمر علاقات في المجتمع، وكذلك يمكن للكلمة أن تبني، لافتا إلى أنه إذا فتح الباب على مصراعيه أمام الحرية حينها ستنشأ الفوضى، مؤكدا أهمية النظام والقيود في حياة المجتمعات تفاديا للفوضى.
وقال: ان الله عندما خلق الإنسان وضع قيدا واحدا على آدم وحواء إلا أنهما لم يستطيعا تحمله والمحافظة عليه دون التفكير بالعواقب التي أدت إلى نزولهما إلى الأرض، حيث توجد عدة قيود وليس فقط قيدا واحدا.
وأكد أن أعضاء لجنة الرقابة ليسوا على توافق تام، ففي حين يرى البعض أن بعض الكلمات والعبارات فيها مساس يرى البعض الآخر عكس ذلك، ومن ثم يتخذ القرار بالتصويت بالأكثرية، مشددا على أن اللجنة متفقة بالمطلق على أن الكتب التي تسبب فتنة في البلد أو تكفر طائفة أو تبيح دم إنسان غير مقبولة ويتم منعها مباشرة دون نقاش من باب الحرص على النظام والأمن في البلاد.
التعقيب
وبعد المقدمة التعريفية تصدى كلا المتناظرين للتعقيب على ما ورد في حديث الآخر، حيث أكد د.ناصر المجيبل أن كل المنظرين بالحرية يربطونها بالاستخدام الأمثل، مؤكدا اتفاقه مع القائل انه لا توجد حرية مطلقة إلا أن الخلط بين الحرية والفوضى ليس صحيحا لأن أكثر المجتمعات حرية هي الأكثر نظاما وتطورا وتقدما.
وتحدث عن الفرق بين الحرية والتحرر، فالحرية أصل والتحرر رغبة في توسيع الحرية، مؤكدا أن الله في قضية آدم وحواء لم يضع قيودا بل أعطى آدم حرية في الاختيار، إما أن يتبع هذه القيود واما ان لا يتبعها وبالتالي ينال العقاب.
وقال إن وجود القانون لا يعني وقف الحرية، فالسبب الحقيقي للوصول إلى هذا الأمر هو العلاقة بين الحرية والقوة، مؤكدا أن الثورات التي حصلت كلها كانت بسبب رغبة الشعب في الحصول على مزيد من الحرية أمام هذه القيود التي وضعت للحفاظ على قوة السلطة السياسية بالتحالف أحيانا مع السلطة الدينية.
وفي تعقيب فيصل المحميد، شدد على قوله إن الحرية دون ضوابط تؤدي إلى الفوضى، والله وهب الإنسان هذه الحرية عن سائر المخلوقات ليس ليستغلها في مسارات غير صحيحة، مستغربا بأنه وعلى مر التاريخ جميع من طالبوا بالحرية وحاربوا لأجلها فرضوا قيودا أشد صرامة ومارسوا الضغط بمجرد وصولهم إلى السلطة.
وأكد أن الحرية المطلقة محض خيال، فليس كل ما يريده الإنسان يمكن فعله، متسائلا: إذا أردنا الطيران هل يمكن أن نطير؟ لافتا إلى أنه من هنا يجب الإدراك أن هناك قيودا يجب الالتزام بها منها ما وضعه الله ومنها ما يضعه المجتمع.
استفسارات وتساؤلات
بعد ذلك، تصدى كلا الطرفين للإجابة عن تساؤلات الآخر، حيث طرح د.ناصر المجيبل سؤالا على مناظرة حول أن تكون الرقابة ذاتية وفق قيود موضوعة تبت فيها السلطة القضائية وليست لجنة رقابة، وعلى ذلك أشار المحميد إلى أن أعضاء اللجنة المنتدبة تمثل مختلف أطياف المجتمع وتعبر عن مختلف وجهات النظر وهي بمنزلة هيئة المحلفين التي تعاون القاضي في المحاكم الغربية، والتي تستعين بهذه الهيئة لتضيف لمسة اجتماعية إنسانية تؤثر على اتخاذ القرار في المحكمة، لافتا إلى أن لجنة الرقابة تثير نقاشات عديدة على الكتب وفي بعض الأحيان يوصل النقاش إلى إعادة السماح بنشر كتاب بعد أن وضعت عليه ملاحظات لمنعه، كما أن هناك لجنة التظلمات التي تعد بمنزلة الاستئناف الذي يمكن اللجوء إليها لإعادة النظر بالقرار.
وفي سؤاله الذي وجهه إلى مناظره، تساءل عن العلاج الأمثل للأمر وهل يكمن في فتح الباب من غير رقابة، أم أن الأمور تخضع للسلطة القضائية أم البقاء على اللجنة؟
فرد د.ناصر المجيبل بأن اللجنة تمثل السلطة التنفيذية ولا يمكن اعتبارها كهيئة محلفين، كما أنها تقوم بمنع الكتب دون نشر أسباب وبالتالي فإن الرقابة عليها من الشعب معدومة، بينما القضاء عليه رقابة عامة فجميع القرارات تنشر وحق الطعن ملزم، هذا ما يؤكد أن جعل هذه الرقابة تحت سلطة القضاء يمثل حرية أكبر لأنها رقابة لاحقة وليست مسبقة.
وقال ان هناك فارقا كبيرا بين الحق في الرقابة والقوة في الرقابة معتبرا أن اللجنة تمارس القوة في الرقابة لأنها تمتلك قوة التنفيذ، لافتا إلى إحدى الروايات التي تم منعها من قبل اللجنة بحجة أنها تؤجج الطائفية، إلا أن القاضي أجازها لأنه رأى فيها العكس تماما بأنها تنبذ الطائفية وتدعو إلى الابتعاد عنها.
المحصلة الختامية
في المحصلة النهائية لكلا الطرفين في المناظرة، تطرق د.المجيبل إلى كلمة الخصوصية التي تميز مجتمعنا عن غيره، رافضا بالمطلق هذه العبارة معتبرا أنه تم ابتداعها لإخفاء الجهل، كالمريض الذي يتم عزله كي لا يعدي الآخرين، ونحن نقوم بعزلنا مؤكدا أنه ليس هناك شيء يسمى الخصوصية فنحن بشر كالآخرين ولكننا تخلفنا عنهم بالحرية لأننا نظن بأنها تتعارض مع مبادئ ديننا مع أن كل الحريات في العالم مستمدة في أساس الدين الإسلامي.
وقال ان الرأي ينتجه العقل، والمال ينتجه الجهد، ولا يمكن لأحد أن يتعدى على الملكية المادية للأفراد أو أن يتحكم بها، وكذلك يجب أن يكون بالنسبة للأفكار والآراء لا يمكن التعدي عليها والتحكم بها من قبل الآخرين.
أما النص الختامي للمحميد فتلخص في التأكيد على أن الضوابط تعكس رأي المجتمع، وأن اللجنة تعمل بمسؤولية وتبلغ أصحاب الشأن بسبب منع كتاب وأحيانا يتم تعديل الملاحظات.
قضايا مهمة
وكان نزار الصالح الذي أدار المناظرة أشار في مقدمته إلى أن ملتقى «نقاشنا» في موسمه الثالث يثير عدة قضايا مهمة للتباحث والنقاش، لافتا إلى أن الهدف من إجراء هذه المناظرات هو تعلم فن الحوار والطرح الراقي وكيفية تقبل الآخر حتى دون أن نتفق معه في الرأي. وأضاف أن مناظرة «الرقابة على الكتب» تحمل الرقم أحد عشر في سلسلة المناقشات التي نظمها الملتقى، لافتا إلى أن الحضور يثري الحوار، ويساهم بفعالية في طرح آرائه وأفكاره وتساؤلاته على الضيوف.