تحتفل الكويت الوفية بالعهود والقيم العربية هذه الأيام بمنتدى فعاليات الملك فهد بن عبدالعزيز يرحمه الله والذي قدم الغالي والنفيس في سبيل تحرير الكويت من الغزو العراقي الغادر، ناهيك عن استضافة القيادة السياسية والعسكرية والشعبية وتقديم كل صنوف الخدمات الضرورية والكمالية لهم ضاربا المثل الأعلى في نصرة المظلوم وإعانة الملهوف.
رحل فهد بن عبدالعزيز عن دنيانا الفانية ولكن معالم وذكرى موقفه البطولي والرجولي لن تُنسى ولن تُمحى من الذاكرة الكويتية.
وقف المرحوم بإذن الله فهد بن عبدالعزيز شامخا ضد دعوات وصيحات وتوسلات غير بريئة لبعض المتخاذلين العرب الذين طالبوه بعدم التسرع بطلب الاستعانة من الدول الصديقة الكبرى الفعالة للإسراع في تحرير الكويت من براثن الاحتلال العراقي الغاشم وانتظار جهود محاولات الحل العربي لتدلي بدلوها في موضوع الاحتلال الهجمي ولكنه رحمه الله أدرك ببصيرته الثاقبة أن تلك الجهود ما هي إلا محاولات لإطالة زمن الاحتلال وتلطيف الأجواء السياسية الدولية لصالح هولاكو بغداد صدام المجرم، فأطلق عبارته المشهورة «إما أن تعود الكويت أو تذهب السعودية والكويت معا».
لقد كانت تلك العبارة تعكس صدق وحزم الإرادة الصلبة للملك فهد بن عبدالعزيز في مواجهة قوى التضليل والخديعة العربية والمنتقدة لموقفه العادل الراسخ نحو إنهاء احتلال الكويت في وقت قياسي وبأقل التكاليف في الأرواح والممتلكات.
لقد تحولت المملكة العربية السعودية في أشهر الغزو العراقي الغادر الى ترسانات وقواعد عسكرية دولية في البر والبحر والجو من ثلاثة وثلاثين دولة لتضفي الشرعية الدولية على حرب تحرير الكويت.
لقد ناشد الملك فهد يرحمه الله طاغوت بغداد لكي يعود الى منطقة العقل وأخلاق الجوار العربي والتعاليم الإسلامية وينسحب من الكويت طواعية، لكن ممثل وشريك إبليس اللعين القابع في بغداد أبى واستكبر وأصر على استمرارية الاحتلال مما جعل الملك فهد بن عبدالعزيز يرحمه الله أمام موقف اللا خيار غير خيار حرب تحرير الكويت لتنطلق «عاصفة الصحراء» في 1991/1/17 لتدك مواقع أحفاد هولاكو وجنكيز خان في كل من الكويت والعراق.
إن تضحيات الملك فهد بن عبدالعزيز يرحمه الله كانت بمثابة الحياة المتجددة والأماني المتسعة والقضايا العادلة لأمته وشعبه.
ولأن الشيء بالشيء يذكر فمثل ما كان تأسيس مجلس التعاون الخليجي من لبنات فكر المرحوم بإذن الله الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح كان الدفاع عن ثبات واستمرارية مجلس التعاون الخليجي الهاجس الأول للملك فهد يرحمه الله مدعوما ومسنودا من إخوانه قادة مجلس التعاون الخليجي.
لقد التقت إرادتا الزعيمين الكبيرين الأمير جابر الأحمد والملك فهد بن عبدالعزيز يرحمهما الله في رسم خريطة تحرير الكويت وحشد التحالف الدولي والعربي والاسلامي لهذا الهدف المنشود وبعد أن تم دحر العدوان وتحرير الكويت بدأ الشعب الكويتي يلتف حول أميره العائد لتبدأ معه عملية إعادة البناء للوطن والانسان الكويتي الذي عانى كثيرا من ويلات الاحتلال الغاشم.
ولم تقتصر تضحيات الملك فهد يرحمه الله على محيطه الوطني والخليجي، بل تخطت الى المحيط العربي والإسلامي والدولي وتجلى ذلك في عام 1956 خلال العدوان الثلاثي على مصر حيث انخرط يرحمه الله مع الملك سلمان والأمير الراحل تركي بن عبدالعزيز في معسكرات التطوع والتدريب لحمل السلاح والانضمام للمجهود الحربي لمقاومة الغزاة على مدينة السويس المصرية، ولقد ساهم يرحمه الله بكل فعالية لإنهاء الحرب الأهلية في لبنان في سبعينيات القرن الماضي، فكان من ثمرات جهوده المتميزة ولادة وثيقة مؤتمر الطائف والتي جمعت الفرقاء اللبنانيين حول طاولة الاتفاق وأنقذت لبنان بعد الله من الاستمرار نحو مزيد من الانزلاق الطائفي والحربي والفتن المدمرة.
إن الكويت وشعبها تستذكر له مواقفه النبيلة نحوها في الضراء والسراء، رحم الله الملك فهد وبارك الله في إخوانه وذريته ووفقهم الله في إكمال مسيرته الخيرة والعطرة وحشره الله مع النبيين والصديقين.