- حسين المطوع: المعنى هو البحث عن المجهول مقابل المعلوم الذي نمتلكه والتأويل يعني فهم النصوص
- أروى خميس: لماذا نتذكر بعض الحكايات التي قرأناها صغاراً ونحن كبار ثم نعود ونحكيها لصغارنا مرة أخرى؟
- داليا تونسي: الطفل قادر على خلق الاستعارات ولديه ثقافة التأني لذلك فهو يسأل عن الغايات والماهيات
- استبرق أحمد: الساحر لا يكف عن مساءلة ذاته ومراجعة أدواته للحصول على ذات شهقة المفاجأة لدى الجمهور
- مهدي سلمان: المعنى كالنخيل.. كلما صعدناه قويت سواعدنا وفي كل مرة نبحث عن معنى جديد
- سامي عجلان: تسليط الضوء على المعنى المرتبك والمعنى المخاتل وما الذي تصنعه الحرية بالمعنى
آلاء خليفة
تواصلت امس فعاليات مهرجان «رحلة المعنى» الذي تنظمه مكتبة تكوين في الجامعة الأمريكية في الكويت بمشاركة كويتية وعربية واسعة وبرعاية اعلامية من جريدة «الأنباء»، حيث حمل اليوم الثالث للمهرجان عنوان «كيف نصل الى المعنى»
وبدأ اليوم الثالث مع الكاتب والناقد الكويتي حسين المطوع الذي قدم محاضرة بعنوان «التأويل: عن أي معنى نتحدث؟».
وتحدث المطوع عن علم التأويل وما هو المعنى وما علاقة التأويل بالمعنى وعن أي معنى نتحدث؟
وقال ان التأويل او مصطلح (الهرمنيوطيقا) هو الفرع الدراسي الكلاسيكي الذي يعني فهم النصوص وفق غادامير:
وعلى صعيد متصل، قال المطوع: عندما نتحدث عن الحياة او القراءة فما ان نخوض حديثا في اي من هذين الموضوعين الا ونذكر «المعنى» كشيء مرتبط بهما ارتباطا جوهريا فننطلق في مساءلة النصوص ومساءلة الحياة للخروج اخيرا بما نسميه «المعنى»، مضيفا: لكن ماذا لو اعدنا السؤال خطوة الى الوراء وتساءلنا: عن اي معنى نتحدث؟ ما هو هذا المعنى؟ أين يوجد؟ هل بالإمكان بلوغه؟ كيف؟ وهل هناك معنى ام معان لامتناهية؟ ثم ما هو دور التأويلية في معالجة هذه القضية وهل استطاعت تقديم اجوبة حاسمة؟
وأشار الى معنى «المعنى»، لافتا الى ان المعنى هو البحث عن المجهول مقابل المعلوم الذي نمتلكه، مشيرا الى ما قاله العالم «غادامير» انه ليس من قبيل المصادفة ان المرء تمكن من ان يتحدث عن كتاب الطبيعة الذي تضمن الحقيقة بقدر ما تضمن كتاب الكتب.
كما لفت المطوع الى ما ذكره العالم «ايكو»، حيث اوضح ان التأويل هو تفاعل مع نص العالم او تفاعل مع عالم النص عبر انتاج نصوص اخرى.
وأشار الى ما قاله العالم «بيرس» حيث افاد بأن التجربة الإنسانية في كليتها تحضر عبر وجهها الرمزي، ولا يمكن اداركها الا عبر هذا الوجه.
وذكر المطوع ان هناك ثلاث قصديات للمعنى تتمثل في قصدية المؤلف وقصدية النص وقصدية القارئ.
هل تكبر القصص معنا؟
أما الأستاذة المشاركة في جامعة الملك عبدالعزيز في جدة د.أروى خميس التي قدمت محاضرة بعنوان «نكبر.. فهل تكبر القصص معنا؟»، فقالت خميس: لماذا نتذكر بعض الحكايات التي قرأناها صغارا حتى ونحن كبار ثم نعود ونحكيها لصغارنا مرة اخرى؟ لماذا يعرف لكل سندريلا وعلاء الدين؟ ما الذي يجعل القصة خالدة لا تموت؟ ما الذي يبقيها عشرات السنين؟ لماذا بعض القصص نقرأها ونسمعها ثم لا نمانع من ان نراها فلما ومسرحية رغم معرفتنا بأحداثها ونهاياتها عن معاني القصص، وحدودها، وفهمها، وتأويلها؟
وتابعت: ولابد ان نتكلم عن السياق التاريخي والتطور التاريخي لقصص الاطفال قبل اي شيء، سندريلا - الاميرة النائمة - ليلى الحمراء والذئب - سنووايت - الحورية الصغيرة - الارنب والسلحفاة - وغيرها الكثير، موضحة ان جميعها قصص شعبية اوروبية كانت تتبادل في المجتمعات في نهاية القرن السابع عشر (سندريلا - ليلى والذئب - فرنسا - تشالز - بيرو - حكايات امي الاوزة) او في القرن الثامن عشر (بياض الثلج - رابونزل الاخوان جريم - حكايات الاطفال والبيوت) وفي القرن التاسع عشر (هانز كريستيان اندرسون - الحورية الصغيرة - الاميرة وحبة الفول).
وذكرت خميس ان في عام 1834 نشر هانز كريستيان اندرسون مجموعة من الحكايات من ضمنها «البط الدميم» وللمرة الاولى حذف عبارة قصص للأطفال من صفحة العنوان فقد ادرك انه يكتب للأطفال والكبار معا.
تساؤلات المعنى
وانتقل الحديث الى مديرة البرامج التعليمية في مؤسسة بصيرة الافكار للاستشارات التعليمية والتربوية داليا تونسي، التي قدمت محاضرة بعنوان «الطفولة وتساؤلات المعنى»، حيث اوضحت انه يقال ان الطفل بلا هوية فكرية وانه كائن جاهل في حالة حدوث انه غير مكتمل وهو بهذه الصيغة منفصل عن عوالم الراشدين وكأنه من قبيلة مختلفة وان اردنا التواصل معه لابد ان نتحدث عن لغته او نفرض عليه نموذج الكبار وفي الجهة المقابلة هناك من يقول «دعه وشأنه»، موضحة ان هذا الصراع الطويل بين الشد والجذب يستمر ليملي علينا وعلى الطفولة شرط وجودها من خلال اعين الكبار ويغبش علينا رؤيتها كما هي.
متسائلة: كيف يرى الطفل العالم حقا وكيف يفهمه وهل يصدق الطفل ان العالم له طبقات في المعنى وأنه متغير وهل يفهمه بناء على ما يجب ان يتجنبه وهنا يأتي دور البالغ لحمايته من كل المشاعر الخاطئة بالنسبة للنمو الشعوري السليم.
وأشارت تونسي إلى ان القصص التي نقيس بها فهمنا للطفولة هي من صنع الكبار وهي جزء من منظومة السلطة والتحكم في صياغة المعنى في ذهن الطفل قائلة: أليست طريقة لتمرير وصايتنا على المعنى في ذهن الطفل من خلال بوابة الأدب؟
ولفتت إلى تونسي ان الطفل قادر على خلق الاستعارات بل ربما هو مصدرها، مشيرة الى ان الطفل لديه ثقافة التأني لذلك فهو يسأل عن الغايات والماهيات عن كنه الأشياء وعن العلاقات ولأنه ليس مطالبا بإجابات فورية تقرر له نمط عيشه فهو باحث متمهل وصبور ويتناوب في ادواته البحثية بين الاستقراء والاستدلال بخفة ومهارة، لافتة إلى انه حين يتساءل فانه يبدأ بالأسئلة الأولية وهي اسئلة خام بدائية تسبق الانساق والمعارف وتراكمات ما تخلفه الحواس في رؤوسنا نحن الكبار من مدخلات ذهنية قد تلوي الحقائق عن صيغتها الجوهرية.
وعن اسئلة الاطفال قالت: ليس بالضرورة ان يبحث الطفل لحظة اطلاق السؤال عن جواب ما، انه قد يسأل لمتعة لسؤال عينها فهو يستخدم الفضول كأداة للفهم التراكمي المتمهل وليس مثلنا نحن الكبار ممن نرغب بشدة في الوصول للنهايات وقد نمل بسرعة لاننا نقيس المعرفة ببلوغ النتائج والتوصل للحلول ثم ما نلبث ان نتخطاها نحو معضلات جديدة.
نية السؤال
واستطردت قائلة: حين يسأل الطفل فسؤاله حسن النية ليس فيه استهجان او استنكار او تقليل شأن او رغبة في اثارة الفوضى، لافتة الى ان اسئلته ليست ملغومة بقنابل الانا وتقريع الآخر مثل الكبار بل يسأل ببساطة في لحظة دهشة والدهشة بالنسبة له هي لحظة حيرة حين لا يتطابق ما يعرفه من افتراضات ذهنية مع البيانات التي حصل عليه من خلال الحواس.
وأفادت تونسي بأن سؤال الطفل هو سلم للوصول للمعنى دون الحاجة الى اجابات بل دون اي التفات لسطوة علامة الاستفهام، مشيرة الى ان السبب في ذلك ان المعنى في سؤال الطفل يتمظهر متحررا من السلطة (سلطة المعرفة والتحيزات والخوف).
وذكرت تونسي ان اسئلة الطفل تحمل في طبيعته عنصرا وجوديا وهذا مصدر قوتها وجمالها وخطورتها.
وختمت تونسي قائلة: لنتعلم المعنى من سؤال الطفل فهو وحده الذي يهدينا اياه صادقا وحقيقيا كصدق نية سؤال الطفولة، وقد يتوسل اليك السؤال ان تجيبه، اصبر، تأنى، دعه يذوب في داخلك وستجد انك لو دربت نفسك بشكل جيد، سيظل السؤال طازجا في ذهنك مهما استمعت له من اجابات وكأنه لم يجب عليه قط.
متابعة: لا تحرم التساؤل على نفسك، لا تظل سجينا لأحكامك المسبقة وتحيزاتك القائمة على ما تظن انه بديهي في هذه الحياة، حفز حواسك الخاصة التي نسيتها منذ الطفولة، تلك الحواس التي نبحث عن المدهش وتنقب عن الاشياء غير المألوفة في كل ما هو اعتيادي ومألوف، تذكر ان الطفولة جذوة نار منسية في نفوسنا كما يقول باشلار قد يمكنها الاشتعال في اي لحظة قائلة: لا تأخذ الأجوبة دائم على محمل الجد فالسؤال سيبقى وان فنت اجابته.
القوة الكامنة
وفي الفترة المسائية من محاضرات أمس الأول لملتقى «تكوين» ركز المشاركون على القوة الكامنة في البحث عن المعنى، فالساحر يعمل كل أدواته وينصت لكل نأمة تصدر عن كلماته للحصول على مفاجأة شهقة الجمهور، فيأخذنا التشبيه البليغ بتصوير المعنى كالنخل المرتفع كلما تعبنا في صعوده قويت سواعدنا، ونتواصل مع محاضرة أخرى تتناول إشكالية حرية المعنى.
وتحدثت في بداية هذه المحاضرات المسائية، الكاتبة الكويتية استبرق أحمد عن «قبعة الساحر» قائلة: هذا الذي لا يكف عن مساءلة ذاته ومراجعة أدواته والإنصات لكل نأمة تصدر عن كلماته، يشكل خليط عناصره، شغوف بالفعل، باسط وقابض على الزمن والمكان، يرفع عصاه السحرية، يلمح الأنظار المصوبة ناحيته، يضرب بخفة على حافة القبعة.. الخزين.. النسيج.. لحظة العالم، يلتمع بشبح ابتسامته، بينما سؤال يدور: هل كان واثقا بما صنعه أو ابتكره من معنى، هل سعى له، كيف يحمل ذات شهقة المفاجأة التي صارت لهم.
نخيل.. المعنى
أما الشاعر والمسرحي البحريني مهدي سلمان، فقدم محاضرة بعنوان «مهدي سلمان»، حيث قال: أذكر، حين لا ذاكرة لي، صعودنا على نخيل القرى بحثا عن بيض الحمام، قيل لنا إن دهن سواعدنا به يقويها، قيل، انه كلما طالت النخلة وبعد العش كلما قوي مفعول البيض، فكنا نمد أكفنا الصغيرة في الأعشاش البعيدة محاولين الحصول على بيضة أو بيضتين، كان أغلبها يقع، بعدها بزمن عرفنا أن صعودنا النخل هو ما قوانا، وأن بيض الحمام مجرد خدعة، وهكذا تماما صعدت نخيل المعنى في الشعر وهكذا تماما أقع في كل مرة أبحث فيها عن معنى.
الحرية.. والمعنى
من ناحيته، شملت محاضرة أستاذ النقد الأدبي بكلية اللغة العربية بجامعة الإمام محمد بن سعود في المملكة العربية السعودية د.سامي عجلان محاور عدة حول «جدل المعنى واللا معنى» وما المعنى وما معنى اللامعنى وهل الحرية معنى؟ هل المعنى حرية؟ ما الذي تصنعه الحرية بالمعنى؟ معنى: أن تحلم، حلم: أن تعني، كما سلط عجلان الضوء على المعنى المرتبك والمعنى المخاتل.
إعادة اتصال
وكان ختام اليوم الثاني من مهرجان «تكوين» مع الشاعر السعودي أحمد الملا الذي قدم محاضرة بعنوان «المعنى بينهما.. إعادة اتصال»، حيث قال الملا: حين فتحت عيني ثانية، أبصرتها: كتلة صفراء، تسطع، بحواف بنية صدئة، ملطخة بلون أخضر متعرج وسحابة عمودية من غبار كوني، تتطاير وتلمع في انعكاس الشمس وهي تكسر نظرتي.
وتابع الملا قائلا: حين أيقظني وقال: هل رأيت ما أعني، لم أستطع ردا ونظرتي ثابتة على «حاوية قمامة» كم عبرت أمامها ولم أرها، تلك الدهشة أعادت اتصالي بالكون.
أمسية شعرية
اختتم اليوم الثاني من مهرجان تكوين «رحلة المعنى» بأمسية شعرية شارك فيها كل من أحمد الملا، سعد الياسري، سنان انطون وقدمها عبدالعزيز المحميد.
واقرأ أيضاً: