د.نواف العبدالجادر - دكتور ريادة أعمال في جامعة الكويت
alabdulj@
أعلن سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الصباح عن إنشاء «مركز الكويت للابتكار الوطني»، وذلك بحكم «التطورات الهائلة والسريعة في مجالات التكنولوجيا والعلوم والابتكار وبروز نشاطات اقتصادية جديدة».
ولتحقيق رؤية سمو الأمير بشأن «توفير البيئة الملائمة والحاضنة» للإبداع والابتكار، ووصيته للشباب بالاستجابة لتلك التطورات، واستمرار المساهمة في تحقيق الرؤية المستقبلية لكويت ٢٠٣٥، يجب أولا مواجهة الحقائق التالية:
- مخرجات التعليم ضعيفة، حيث بين التقرير السنوي العالمي للتنافسية ٢٠١٧-٢٠١٨ أن مستوى التعليم في الكويت انخفض الى المركز ١٠٤ عالميا في جودة التعليم الابتدائي، و٨٩ في جودة التعليم العالي.
- الدولة في حاجة لخلق فرص عمل جديدة، حيث إن نسبة الشباب أكثر من ٦٠% من إجمالي الكويتيين، وهناك أكثر من ١٣ ألف مواطن مسجلين على قوائم التوظيف.
- هناك قصور واضح من الحكومة في تنفيذ المشاريع المتعقلة بخطة الدولة، حيث بين التقرير الأخير الخاص بخطة التنمية السنوية أن منذ عام ٢٠١٦، تم انجاز ١% من المشروعات للخطة السنوية.
إلا أن مبادرة سمو الأمير تأتي في وقتها المناسب، حيث بينت دراسة «Global Startup Ecosystem» أن نسبة الاستثمار في التطوير والبحث ازداد بمعدل ١٣% من إجمالي إنتاجية الدول في العالم في السنوات العشرين الأخيرة، لأنه من المعلوم لدى اقتصادات العالم ان التنافس المستقبلي يقوم على التكنولوجيا.
وحتى يحقق المركز الأهداف المنشودة، يجب استغلاله في بناء بيئة ريادة أعمال حول التكنولوجيا، من خلال قدرته على تنسيق وإدارة أعمال الدولة المختلفة المتعلقة بالابتكار والتكنولوجيا.
فرغم اهتمام الدولة في تعزيز دور الشباب ومساندتهم عبر مؤسساتها المختلفة، إلا أن تلك الجهود تبدو مبعثرة وتفتقد لتوجه واضح يساهم في بناء بيئة تكنولوجيا وريادة أعمال شاملة. فقد حددت مؤسسة الكويت للتقدم العلمي حسب تقريرها، ثلاث أولويات لتطوير التكنولوجيا وهي: مجال الصحة، التعليم، والبنية التحتية، إلا انه من غير المعروف ان كانت تلك القطاعات تمثل كذلك أولويات الجهات المختلفة المتعلقة في ريادة الأعمال وتطوير الشباب.
فبناء بيئة ريادة أعمال حول التكنولوجيا في بلد صغير مثل الكويت يتطلب التركيز على قطاعات محددة تحظى الكويت فيها بميزة نسبية وتمثل أولوية في الدولة، وتركيز عمل مؤسساتها المختلفة على دعم وتطوير تلك القطاعات.
على سبيل المثال، استغلت فرانكفورت (ألمانيا)، قوتها في مجال التمويل لخلق بيئة ريادة أعمال حول مجال التكنولوجيا المالية أو ما يسمى «Fintech» من خلال تعاون شركات القطاع الخاص مع المشاريع وخلق حاضنات وساحات عمل جماعية مختصة في مجال «التكنولوجيا المالية»، بالإضافة الى تركيز استثماراتها في هذا النوع من المشاريع، فإن ٥٠% من استثمارات شركات رأس المال المغامر في فرانكفورت في السنوات الخمس الأخيرة كانت تجاه مشاريع «التكنولوجيا المالية». وحصد هذا التوجه نجاحا مبهرا، حيث ان أكبر استحواذ في مجال «التكنولوجيا المالية» كان من مشروع تم تأسيسه في فرانكفورت.
ولتحديد القطاعات التي سيتم التركيز عليها، يجب النظر في التطورات العالمية، بالإضافة الى الاحتياجات المحلية. وبين تقرير «Global Startup Ecosystem» لعام ٢٠١٨ والذي يشمل أكثر من ١٧٠ دولة، اننا ندخل موجة التكنولوجيا الثالثة، بعد الموجة الأولى والتي بنت الانترنت (AOL)، والموجة الثانية التي شهدت ظهور مشاريع مبنية أو تعيش على الانترنت كشركات البحث (Google)، وشركات التواصل الاجتماعي (Facebook)، وشركات الهواتف الذكية (Snapchat، Instagram)، إلى بداية الموجة الثالثة وهي شركات تعيش وتغير عالم الواقع العملي مثل (Uber) و(Airbnb) وشركات الابتكار التصنيعي، شركات تطوير الزراعة والغذاء، التكنولوجيا المالية، والذكاء الصناعي.
ونجاح المركز يعتمد على قدرته في وضع خطة شاملة حول التكنولوجيا وتنسيق أعمال الدولة المختلفة في مجال التكنولوجيا. على سبيل المثال إمكانية المركز في مساندة الشباب لمواكبة موجة التكنولوجيا الثالثة والاقتصاد الجديد، تعتمد على وجود رأسمال بشري مبدع، مما يستدعي ان يكون للمركز دور في، كما ذكر سمو الأمير، «تطوير نظامنا التعليمي».
إضافة الى ذلك، حتى يحقق المركز هدفه في تحويل ابتكارات الشباب إلى مشاريع اقتصادية تساهم في تحقيق الرؤية المستقبلية والأهداف التنموية، يجب ان يكون المركز حلقة وصل بين مشاريع الدولة والشباب من خلال تنظيم وعرض مشاريع الدولة للشباب، والتواصل مع الشباب لتشجيعهم على إنشاء شركات تساهم في تنفيذ مشاريع مرتبطة بخطة الدولة ٢٠٣٥، فتلك المشاريع توفر فرص عمل للشباب، الا انه قد يخفى عن العديد من المبادرين والشباب القطاعات والمشاريع ذات الأولية للدولة.
وفي الختام، رغم كبر حجم المبالغ التي تستثمر في العلوم والتكنولوجيا والابتكار، فإن الدول الأخرى لا تقوم بحساب العائد المالي من تلك الاستثمارات لعلمها انه من الصعب تحديد قيمتها المالية، ولكن فوائدها كبيرة على المجتمع، فنتمنى ألا يتم استغلال مبادرة سمو الأمير الممتازة بإنشاء «مركز الكويت للابتكار الوطني» للبحث عن عوائد مالية، بل أن يتم استغلال هذا المركز لبناء بيئة ريادة أعمال حول التكنولوجيا، وإعداد جيل جديد يواكب عالم جديد.