سؤال محدد: من الذي يحدد من يكون فوق مستوى الشبهات وفوق مستوى النقد؟، الإجابة عندي- والله أعلم بما عند الآخرين- لا أحد، سؤال أكثر تحديدا: هل محاسبة من يعمل في العمل العام حرام والعياذ بالله؟ إجابة أكثر استعجابا، وما الذي يجعله حراما؟ فطبقا للدين والعرف والعادات والتقاليد والعقل والمنطق والحلال والحرام، محاسبة من يعملون تعد واجبا، وليس هناك من هو معصوم من الخطأ، والتاريخ يضع لنا النماذج العديدة، مثل «الحمد لله الذي جعل في أمة محمد من يقوّم عمر بالسيف»، وكما هو معروف «فمن أمن العقاب أساء الأدب»، «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته»، فهل هذا السؤال يأخذ البعض على محمل المجاملة والعتاب، أم أنه سؤال يستحق التحقيق والتدقيق والوقوف والمساءلة في الدنيا، قبل المساءلة والحساب يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
المسألة يا سادة أنه لا يوجد شخص فوق المحاسبة والنقد، والحال كذلك فيما يتعلق بالوظائف، فلا توجد وظيفة عامة تخرج صاحبها عن دائرة المحاسبة والنقد، كما أنه لا يوجد شخص لا يخطأ، فالبشر بطبيعتهم خطاءون، وخير الخطائين التوابون، فلماذا ندفن أنفسنا في الرمال، ونرفض القول بأن بعض من يمتهنون الوظائف العامة يخرجون على القانون، ويخترقون حواجب العدالة، ولا يسيرون على الصراط المستقيم، ومنهم من يكون مرتشيا، أو ظالما، أو يحكم تبعا للهوى، ألم تقرأوا قول الله عز وجل لسيدنا داود عليه السلام في سورة ص (يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب)، وأعتقد أن في الآية من دلالات ومفاهيم واضحة ترد على كل المتشدقين والمتعنتين، وأصحاب الأبواق التي تحرم الاقتراب من المساس بذوات بعض الوظائف العامة، وتضع لهم القدسية والحصانة التي تجعلهم فوق اطار المساءلة والمحاسبة والقانون، وآه من هذه الأبواق وألف آه، ليتها تسكت وتريحنا من نفاقها ودفاعها المستميت عن كل صاحب سلطة، فاتقوا الله يا سادة، ولا تجعلوا الناس تخرج من شعورها، فحتى الأعمى أصبح قادرا على رؤية الفساد يستشري في بعض المؤسسات والهيئات، ومن ثم فيوم نطق به الملا، لم يكن آتيا من القمر أو المريخ، لقد عبر عن واقع الحال، لكنكم حين أنكرتم الواقع وتشبهتم بالنعام، جلعت الملا رمزا للتعبير عن كل ما تخفونه وترونه هينا وهو عند الله عظيم.
أرجوحة أخيرة: بالأمس بدأ الفصل الصيفي متمنيا لأبنائنا الطلبة والزملاء الأعزاء فصلا جميلا سلسا وممتعا بمشيئة الله الموفق والمعين، يا رب فرجها وأعني على أصحاب الوظائف العامة، التي عميت أعينهم عن الحق.