بقلم: د.خالد البقاعين
اجتاحت الكويت في الأسابيع الماضية موجة عارمة من الإعلانات عما يسمى 5G بعد إعلان الهيئة العامة للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات عن إطلاق تنظيم إدخال تكنولوجيا الاتصالات الجديدة هذه إلى الكويت.
ومنذ ذلك الحين تتوالى الأسئلة والتخمينات والإشاعات حول حقيقة ما يمكن لهذه التكنولوجيا من تحقيقه أو الأخطار التي يمكن أن تحدث للإنسان نتيجة الأمواج الكهرومغناطيسية المستخدمة في 5G.
لذا، أرى من واجبي توضيح بعض النقاط المهمة المتعلقة بتكنولوجيا 5G بعيدا عن الصيغة التسويقية وإن لم يكن بالإمكان الدخول في تفاصيل تقنية دقيقة لضيق المكان.
تكنولوجيا الجيل الخامس وتسمى كذلك حسب تسلسل أجيال تكنولوجيا الاتصالات اللاسلكية التي بدأت بالجيل الأول في الثمانينيات في القرن الماضي وتبعها الجيل الثاني في التسعينيات والذي حول الاتصال إلى الطريقة الرقمية مع إدخال خدمة SMS.
أما الجيل الثالث (3G) فبدأ مع مطلع القرن الحالي وأحدث نقلة نوعية في استخدام الإنترنت على الموبايل وان كان بسرعات لم تتجاوز بضع مئات كيلوبايت في الثانية.
أما الجيل الرابع (4G) والمنتشر بشكل واسع حاليا، فلقد بدء العمل به حوالي عام 2012 محققا إمكانية إرسال واستقبال الفيديو والبث الحي على الموبايل بسرعة قد تصل في أفضل الحالات إلى عشرات الميغابايت في الثانية. وفي الواقع فإن هذه السرعة تقل كثيرا عما كان متوقعا حسب المواصفات القياسية للجيل الرابع والتي كان يفترض أن تصل إلى 1 جيجابت في الثانية.
أما فيما يتعلق بالجيل الخامس (5G)، فلقد بدأت الأبحاث في هذه التكنولوجيا خلال العام 2012 وكذلك بدأت عملية وضع المواصفات القياسية من منظمة 3GPP المسؤولة عن توحيد مواصفات تكنولوجيا الاتصالات الخلوية عالميا لضمان التجانس والقدرة على التنقل والتواصل (interoperability and Roaming) في العام 2015 وتم إصدار النسخة الأولى من هذه المواصفات في العام 2017. وكان من المتوقع البدء بإنشاء شبكات الجيل الخامس في العام 2020 إلا أن التنافس التجاري الكبير أدى إلى البدء هذا العام.
ميزات الجيل الخامس
يتميز الجيل الخامس بالعديد من المواصفات التي ستشكل نقلة نوعية في عالم الاتصالات وكل ما يتعلق بها ما سيتيح المجال للعديد من التطبيقات الجديدة ومن أهم هذه المواصفات:
1 ـ السرعة: سوف تمكن تكنولوجيا 5G شركات الاتصالات من توفير سرعة يمكن أن تتجاوز 20 مرة السرعة التي توفرها 4G، إلا أن هذه السرعة الفائقة سوف تتطلب من شركات الاتصالات الاستثمار في بنية تحتية جديدة تسمح باستخدام ذبذبات التردد في نطاق أعلى مما هو متاح حاليا في شبكات 4G.
وبما أن تكنولوجيا 5G يمكنها استخدام نفس منظومة موجات التردد المستخدمة حاليا في 4G بترددات بين (600MHz – 6GHz)، فإن أغلب شركات الاتصالات في العالم سوف تلجأ إلى البدء بهذا الأسلوب لكسب السبق وعليه فإن السرعة التي ستقوم 5G بتوفيرها في بداية الأمر لن تزيد كثيرا عما هو متاح حاليا بشبكات 4G على أن هذه السرعة سوف تزيد مع تركيب أبراج جديدة. ومن الناحية النظرية يمكن لتكنولوجيا 5G الوصول إلى 100 Gbit/s إلا أنه من غير المتوقع تجاوز 1Gbit/s في أفضل الأحوال.
2 ـ نوعية الاتصال والخدمة: تتميز 5G بنوعية اتصال عالية جدا نتيجة استخدام أساليب متطورة لتشفير ونقل الإشارات الرقمية كما أنها تعتمد على استخدام عدد أكبر من الخلايا الخلوية ما يؤدي إلى جودة أكبر في الاتصال وتأخير أقل في نقل الإشارة ما سيحسن من نوعية نقل الفيديو الحي والإنترنت. كل هذا سيسمح بتطوير عدد كبير من تطبيقات الواقع الخيالي والذكاء الاصطناعي التحسس عن بعد وغيرها مثل Tele-medicine وإجراء العمليات الجراحية عن بعد وبدقة كبيرة.
3 ـ عدد كبير من الأجهزة: إحدى أهم المميزات الجديدة لتكنولوجيا 5G هي قدرتها على التواصل مع عدد كبير جدا من الأجهزة والأنظمة الدقيقة بالوقت نفسه وهذا سيسمح لتكنولوجيا إنترنت الأشياء بالتطور والانتشار بشكل أسرع مما سوف يسمح بتطور تطبيقات جديدة مثل المدن الذكية وأنظمة المواصلات الذاتية القيادة وغيرها. وهذه التطبيقات سيكون لها تأثير مباشر على نوعية حياة الإنسان العادي.
ونأتي هنا إلى السؤال المهم وهو: هل 5G خطر على صحة الإنسان؟
والجواب بشكل مبسط ومباشر هو لا، وحسب الوكالة الدولية لأبحاث السرطان فإن الأشعة الكهرومغناطيسية المستخدمة في الاتصالات الخلوية قد تكون إحدى المسببات لبعض السرطان ولكن بنسبة لا تزيد على شرب القهوة وأقل بكثير من التدخين.
والسبب فيما نشر من أخبار عن مخاطر هذه التكنولوجيا هو أنه من الممكن نظريا استخدام موجات كهرومغناطيسية دقيقة بترددات عالية قد تصل إلى (100GHz).
ومن حيث المبدأ، فإنه يمكن للأمواج ذات الترددات العالية من (80-100 GHz) أن تؤدي إلى تحسس كانت طاقة الإرسال قوية جدا ومن الأمثلة على ذلك، تم الإعلان عن نظام أميركي يستخدم كسلاح لفض الاعتصامات يستخدم التردد 95 GHz ويعمل على إرسال موجات بطاقة عالية تسبب شعور مشابه للحرق في طبقات الجلد الخارجية، إلا أن أنظمة الاتصالات تستخدم إشارات كهرومغناطيسية بطاقة أقل بكثير من أن تحدث أي تأثير على صحة الإنسان. ان الطاقة القصوى الممكن استخدامها محددة بدقة من قبل المنظمات المختصة في أوروبا وأميركا.
ومن المؤكد أنه وبعد 30 عاما على بدء استخدام الاتصالات الخلوية لم يثبت أي تأثير مباشر لهذه الإشعاعات على الصحة البشرية.
*بروفيسور الاتصالات الخلوية
رئيس كلية الكويت للعلوم والتكنولوجيا