محمود عيسى
قالت صحيفة «وول ستريت جورنال» إن البنوك الأميركية تقطف ثمار طفرة إصدارات الديون التي تشهدها دول الخليج الغنية بالنفط، حيث تتجه هذه البنوك إلى منطقة الإقراض التي يسيطر منافسوها منذ فترة طويلة على أسواق الدين في المنطقة.
وأضافت الصحيفة ان كلا من بنوك غولدمان ساكس وجيه بي مورغان وآخرين تستفيد من الطفرة المتمثلة في إصدار السندات للشركات والسندات السيادية في مجلس التعاون الخليجي الست، حيث تقدم المشورة بشأنها.
وتتولى هذه البنوك ومنها سيتي جروب بنسبة 3.59%، وبنك جيه بي مورغان بنسبة 2.98% وغولدمان ساكس بنسبة 3.67% ومورغان ستانلي بنسبة 3.87% تقديم المشورة للحكومات والشركات في الدول الخليجية الست، حيث حققت من إصدار السندات في هذه الدول حتى هذا الوقت من 2019 نحو 4 أضعاف الرسوم التي حققتها عام 2015، وهو العام الذي سبق وقوع المنطقة في أزمة الديون، وفقا للبيانات التي أصدرتها شركة «Refinitiv» المتخصصة بإحصاءات الرسوم والعمولات.
ومضت «وول ستريت» إلى القول ان تحسن وضع البنوك الأميركية في مضمار أسواق الديون الخليجية يعكس جزئيا اندفاعا جريئا جديدا في المنطقة، ولكنه يعود أيضا إلى سعي دول الخليج النفطية للحصول على المزيد من السيولة خلال فترة انخفاض أسعار النفط.
وبالإجمال، فقد أصدرت دول مجلس التعاون الخليجي 150 مليار دولار من الديون بالعملات الأجنبية منذ بداية 2016، وهو العام الذي سجلت فيه أسعار النفط أدنى مستوى لها خلال 12 عاما، وفقا لشركة ديلوجيك، وذلك مقارنة بإصدارات بلغت فقط 24 مليار دولار في السنوات الـ 4 السابقة، عندما كانت أسعار النفط في كثير من الأحيان أعلى من 100 دولار للبرميل.
ونسبت الصحيفة الى المحلل في مجموعة تيليمر في دبي حسنين مالك قوله: «انه لم يكن هناك الكثير من إصدارات ديون دول مجلس التعاون الخليجي السيادية قبل 10 أو حتى خمس سنوات مقابل الكثير منها الآن. وقد أكدت البنوك الأميركية ميزتها التنافسية في أسواق رؤوس أموال الدين».
موطئ قدم
ويوضح ظهور البنوك الأميركية في أسواق الدين الخليجية، التدافع بين المؤسسات المالية للحصول على موطئ قدم في الشرق الأوسط خلال فترة من التغيير الصاخبة. فقدمت المملكة العربية السعودية نفسها كوجهة استثمارية محتملة وأطلقت برنامجا لتطوير الصناعات غير النفطية والتخطيط لطرح عام أولي لشركة أرامكو العملاقة.
ويعتبر المصرفيون أن مبيعات الديون وسيلة لتطوير علاقة أوسع مع المسؤولين الماليين في أي دولة. فقد عاد «سيتي جروب» العام الماضي إلى السعودية بعد توقف دام 14 عاما وكان «جولدمان» يستخدم مسؤولي استثمار مصرفي هناك.
ويعتبر مورغان ستانلي وجيه بي مورغان من كبار منظمي سندات أرامكو في أبريل، وهي عملية بيع بارزة بقيمة 12 مليار دولار بلغت تغطيتها حوالي 10 أضعاف القيمة المطروحة.
بالفعل فقد حفزت إصدارات الديون المزيد من الأنشطة المربحة، منها على سبيل المثال فوز جولدمان ساكس ومورغان ستانلي بتفويض استشاري بشأن عملية الاندماج الأخيرة في المنطقة والمتمثلة بشراء شركة أرامكو السعودية لشركة البتروكيماويات بمبلغ 69.1 مليار دولار من صندوق الثروة السيادية في المملكة.
وبرغم انهيار أسعار النفط بين عامي 2014 و2016، إلا أن أزمة الديون في المنطقة استمرت مع إنفاق الحكومات على الإصلاح الاقتصادي والسعي لتطوير أسواق رأس المال المحلية. كما بدأت الشركات الكبرى في الاستفادة من تمويل أسواق رأس المال أكثر من الإقراض المباشر. وهذا العام، حصلت البنوك على نفس المكاسب تقريبا من رسوم مبيعات الديون مثل ترتيب القروض - وهو تحول ثقافي في المنطقة، مدفوعا بالإصدارات السيادية الضخمة.
وأشارت الصحيفة الى ان البنوك الأميركية تؤسس موطئ قدم لها في المنطقة التي كان يسيطر عليها المنافسون الأوروبيون، فقد كانت غالبية السندات المباعة في السنوات الأخيرة مقومة بالدولار.
قوة مالية
واختتمت الصحيفة بالقول ان البنوك الأميركية خرجت من الأزمة المالية العالمية أقوى ماليا من بعض نظيراتها الأوروبية، مما جعلها تستفيد من مبيعات الديون الخليجية. ولكن منذ فترة طويلة يظل أكبر وسطاء الديون الخليجيين في لندن هما بنك اتش اس بي سي HSBC وستاندرد تشارترد بنك، حيث ان لديهما عمليات أكبر هناك من أقرانهم الأميركيين وكانوا أكبر من يحصلون على الرسوم في عمليات أسواق رأس المال هذا العام. وافتتح HSBC في يناير مقرا جديدا بقيمة 250 مليون دولار في دبي، بجوار برج ستاندرد تشارترد.
ولكن البنوك الأوروبية الأخرى لم تكن أوضاعها كذلك، حيث ان بنك دوتشيه وباركليز لا يزالان يشعران بآثار الأزمة المالية من خلال تقليص عدد الموظفين في السنوات الأخيرة. كما غادر منطقة الخليج مصرفيون من مؤسسات أخرى، حيث بدت الأعمال التجارية غير واعدة في عام 2015 وسط انخفاض أسعار النفط. إن التحول الثقافي في المنطقة إلى السندات بدلا من الإقراض يعني أيضا أن البنوك اليابانية، التي كانت في السابق قادرة على ترتيب القروض الكبيرة، فقدت الرسوم لصالح البنوك الأميركية.