الفلسفة ليست ضد الدين، لكن يجب علينا أن نتخذ بعدا فيما هو جوهر وأصل، وما هو ممارسة اللغة وهي ربيبة الفكر بالمغالطة، ولو كانت من غير قصد، وكما يقول د.حامد عابد أبو زيد في آلية الفهم للدين وما هو فكر ديني، إذ يجب على المطلع على علوم الفلسفة وضروب الفكر المعرفي تفكيك المعاني والمصطلحات اللغوية، هذا من جانب، ومن جانب آخر يتطرق أبو زيد الى أن الدين (هو النص المقدس الثابت) والفكر الديني هو ما يعقل بالفهم والإحساس.
وفي محضر هذا الكلام، يأتي قول علي بن أبي طالب، كرّم الله وجهه، فيما معناه: لكل امرئ إناء من الفهم وجب على العاقل ملؤه وحسب مقداره، لذلك يتفاوت فهم الفلسفة للدين على مساحة التعقل التي يتخذها الإنسان.
وقد عالج الفلاسفة الأقدمون هذه الإشكالية، وهم على شقين: الأول وهم اليونانيون ومنهم هرقليطس في جدلية ثنائية علاقة الفكر باللاهوت وارتباط اللغة فيما بينهما، حيث يلتقي كل منهما مع الآخر، وقد فصّل هذا في شذرته الشهيرة: الحب والحرب وهي من أول التأملات الفلسفية العقلانية ما قبل العهد السقراطي وبعد أعجوبة الأوديسا والإلياذة على يد هوميروس وفيرجل وغيرهما.
والشق الثاني وهو أكثر قربا للمفهوم الإسلامي بشكل عام، حيث إن العقل الإسلامي له حساسية خاصة جدا فيما يتعلق بارتباط الفلسفة بالدين وهما وجهان لعملة واحدة في رأيي، وخير من شرح ذلك ابن رشد في رسالته الشهيرة «فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من اتصال» وفي ديدنها الموازنة فيما بين الفلسفة والدين أو الحكمة والشريعة.
١- من حيث الاصطلاح:
الفلسفة هي النظر في الموجودات واعتبارها دلالة على الصانع وهي ضرب من ضروب البحث حول العالم، والحياة، والإنسان والبحث عن الحكمة الإلهية، بينما الدين هو مجموعة من الحقائق التي أوحى الله بها الى الأنبياء.
٢- المواءمة والمناكفة (أوجه الاختلاف والشبه):
يتفقون في تفسير الموضوعات الوجودية (الله، الحياة، العالم، الأخلاق، والإنسان) وغايتها اتفاقها مع الآخر في البحث عن الحقيقة، أم الاختلاف فهي الآلية والمنهجية في المبحث المعرفي، حيث الفلسفة مدلولها الكشف بالبرهان والاستدلال العقلي، أما الدين على نفس الآلية مع التقديم النقلي أو الوحي على الأولى.
وهنا نستوقف قليلا عن التعارض والمغنطة الفكرية بين سالبية وموجبية الفكرية التي تتعرض لها الفلسفة من قبل الدين والعكس صحيح، ماذا نعمل إذا ما وقعنا محل هذه الإشكالية؟ يقول ابن رشد إن في حالة وقوع ذلك الاعتراض بينهما خاصة في مفهوم التأويل البرهاني أو على حد قوله: إخراج دلالة اللفظ من الدلالة الحقيقية إلى الدلالة المجازية.
ختاما: يقول ابن رشد في تبيان علاقة الفلسفة للدين «لا يضاد الحق بل يوافقه ويشهد له»، ولذلك فإن الاتفاق قائم، كما قال أيضا: الفلسفة هي صاحبة الشريعة والأخت الرضيعة له.