كلما كان الإنسان أكثر جدية في طلب العلم من المهد إلى اللحد ترقى أكثر نحو الكمالات المعنوية عن تلك الحسية، فنراه يتطور في مجال العقليات أكثر من كونه منزوعا نحو المادة، رغم أهمية المادة لكن ليس بالشكل الطاغي على المجتمعات الشرق أوسطية بذات كونها شعوبا تعودت على ثقافة الحسيات والاستهلاك، النزوع نحو المادة من أكثر الأوبئة الفكرية الطاغية في مجتمعاتنا الشرقية للأسف، وأعتقد لو درب الإنسان نفسه بنفسه على ثقافة الاعتماد على النفس وصقل القدرات النفسية بأدوات تربوية سليمة لما كان التخبط الواضح الموجود في مجتمعاتنا من تلك الناحية.
كنت أعتقد أن الإنسان قابل للتجريد وأن مصطلح الإنسانية مطلق الإسقاط، لكن الذي أثار سؤالي، كيف لنا أن نطلق لذلك العنان والإنسان ابن بيئته أي أنه ينطلق من منطلق الزمان والمكان، ونقل ثقافة بأبعاد ذات موازنة لبعد ثقافي آخر هو أمر أشبه بالمستحيل، لذلك الإنسان مقيد بهذه اللحظة الراهنة، بهذه الآنية في الوجود، إذن النص يتحكم في عاملي الزمان والمكان، وعما أعتقد هذه حكمة أخرى أن القرآن يراعي هذين العاملين.
الإنسان ابن بيئته فهو الذي يصنعها وهي التي تصنعه، فالإنسان إذن مقيد بهذا المقياس، إنسان الشرق مختلف عن إنسان الغرب، التجربة الدينية للشرق تختلف اختلافا تاما عما هي في المسيحية واليهودية، ناهيك عن أن الإنسان لا يستطيع مخالفة جذوره فما تم صنعه في الماضي تعطى على أساسياته تراكمات معرفية للمستقبل.
الجهل بالقرآن وعدم التمعن فيه يعدان من مرتبطات تلك الثغور الفارغة، قبل أن نقول بعالمية الإسلام في الأول فلنستقرئ في تاريخنا الإسلامي الخاص، عن معنى حضارتنا، على أي أساس بنيت، وكيف ومتى أقامت أول ركائزها، نظرية الإنسان المجرد هي نظرية ساقطة، فالإنسان مركب ثقافي متحرك وحتى عند الشعوب البدائية لديها مزيج بسيط من التركيبات العرفية والثقافية في سلوكها وهذا دليل على أن مسألة تفكيك ثقافة الإنسان عن طريق تذويب بوتقة الأصالة فيه، بمعنى أننا في عصر تذويب ثقافي ألا وهو العولمة التي أتت مع سطوع نور الحضارة الغربية، لجعل نظرية الإنسان العالمي المجرد قائمة، كل دولة تختلف بتركيبها وتنوعها القانوني فالثقافي فالبشري، لذلك وصمة هؤلاء الثلاثة واضحة كل البعد في نسيج المجتمع، لكن السؤال لماذا يريدون التجريد.. هل من أجل توحيد الإنسانية أم الهيمنة الفكرية والسيطرة على العقل الإنساني على حساب وطغيان فئة على أخرى؟ هنا السؤال الذي بودي طرحه.