- «الإلغاء المجرد» يمثل سابقة لأحكام القانون وتكافؤ الفرص.. كونه يحرم المستبعدين من القبول أو الترشح مجدداً
عبدالكريم أحمد
تلقت النيابة العامة بلاغا يطالب بإحالة وزيري العدل الاسبقين يعقوب الصانع ود.فالح العزب الى لجنة التحقيق الدائمة بمحكمة الوزراء على خلفية تعيينات ادارة الخبراء التي أبطلتها محكمة التمييز اخيرا.
وطالب البلاغ بإحالة الوزيرين للتحقيق معهما حول شبهة الاضرار بالمال العام نتيجة تعيينات خاطئة تمت بناء على تلاعب ودون اجراء اختبارات او مقابلات شخصية.
من جانبه، اصدر وزير العدل الاسبق يعقوب الصانع بيانا جاء فيه:
٭ أولا: أنا أكن كل تقدير واحترام للإخوة أعضاء السلطة القضائية، وكذلك أنا مؤمن بأن الأحكام القضائية الباتة واجبة التنفيذ، إلا أن كفالة حرية التعبير وفقا لقواعد النقد البناء، ودراسة الأحكام، دون المساس بأشخاص من أصدر الحكم، تعد إثراء للفقه القانوني. وعلى ذلك، وانطلاقا من نص المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ونصوص الدستور الكويتي، ومستقرات محكمة التمييز والتي تدور جميعها في فلك الحق في المساواة وتكافؤ الفرص، وفي الوقت الذي قضى الحكم بعدم المشروعية التي شابت أعمال جهة الادارة حيال مسابقة تعيين الخبراء لتعمدها ـ حسب عقيدته ـ عدم المساواة، وعدم مراعاة مبدأ تكافؤ الفرص بين المتقدمين وإعطاء البعض الأفضلية دون وضع عنصر الكفاءة محل اعتبار، نجد أن الحكم ذاته خالف نصوص الدستور، والمادة 21 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة 25/3 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادرة عن الامم المتحدة، ومستقرات محكمة التمييز، وذلك عندما قرر استبعاد المتقدمين من الخبراء الذين قُبلوا من العودة مرة أخرى في التقدم للتعيين، أو إعطائهم الفرصة للترشح مرة أخرى شأنهم شأن الآخرين.
إذ قرر الحكم صفحة 16 في مدونات أسبابه: «ان الإلغاء المجرد يترتب عليه استبعاد من شغل وظائف ادارة الخبراء في تلك الفترتين»، وهذا بحد ذاته يمثل مفارقة خطيرة لأحكام القانون وإخلالا جسيما بمبدأ تكافؤ الفرص والمساواة بين المواطنين، وذلك في ظل وضوح وصراحة عبارة الحكم، وينطبق عليها القاعدة القانونية، لا اجتهاد مع صراحة النص.
٭ ثانيا: هل يعلم الجميع أن الطاعنة التي صدر الحكم بشأن دعواها والتي أقامتها بثلاثة طلبات قضي في أولها بعدم القبول (طلب إلغاء القرار الساحب) لانتفاء مصلحة المدعية، وكذلك برفض الطلب الثاني (طلب إلغاء القرارات أرقام من 53 حتى 283 لسنة 2017)، وفي الطلب الثالث بإلغاء القرارات أرقام 595 و687 و785 و814 و882 لسنة 2017 فيما تضمنته من تخطي المدعي في التعيين بوظيفة خبير حسابي، ولم تطلب صاحبة الدعوى استئناف الحكم بعدم قبول طلبها الأول وبرفض طلبها الثاني، إذ أن حكم محكمة أول درجة قضى بأحقيتها بالتعيين وفقا لطلبها الثالث، الأمر الذي جعل الحكومة تستأنف ضدها فيما قضى به حكم الدرجة الأولى بشأن الطلب الثالث دون الطلبين الأول والثاني، ومن ثم أصبح المعروض على محكمة الاستئناف هو الشق من الدعوى المتعلق بالطلب الثالث فقط، وبالتالي وعلاوة على قاعدة أنه لا يضار الطاعن بطعنه، قضت محكمة التمييز بما لم يطلبه الخصوم وتجاوزت نطاق الطلبات المعروضة، إذ أنها وقد ميزت الحكم، وانقلبت إلى محكمة موضوع استئنافية، فلا تملك المحكمة (في هذه الحالة) إلا أن تحكم في إطار ما كان معروضا على محكمة الاستئناف فقط عملا بالمادة 144 مرافعات، إلا أن ذلك لم يحدث، إذ أن القرار 2012 لسنة 2016 الصادر من السيد الوكيل في عهدي حينئذ لم يكن محلا لا للاستئناف ولا للتمييز.
٭ ثالثا: مخالفة الحكم لثوابت قانون المرافعات (بشأن الأثر الناقل للاستئناف)، وقانون الإثبات (بشأن حجية وقوة الأمر المقضي وعُلوه على اعتبارات النظام العام)، وسوابق محكمة التمييز بشأن نطاق الدعوى والطلبات فيها.
٭ رابعا: في الوقت الذي استعان فيه الحكم ببعض مقتطفات من تقرير اللجنة المشكلة في عهد الوزير فالح العزب واعتبرها أحد أهم دعائم حيثيات حكمه في عدم المشروعية، نتفاجأ بإدخالنا بالموضوع رغم قيام الوزير اللاحق بسحب القرار الصادر في عهدي، واعتباره كأن لم يكن، كذلك عندما قضى الحكم بإلغاء جميع القرارات إلغاء مجردا، أي بما فيها كافة الإجراءات التي سبقت صدور القرارات، ومنها تشكيل اللجنة، كيف يستند لها وهو من قضى بإلغاء قرار تشكيلها تبعا لقضائه بالإلغاء المجرد مستندا على عدم المشروعية؟
وبخلاف ذلك: هل هذه الأخطاء من الجسامة بمكان لاسيما أن عدد الأخطاء التي وردت بتقرير اللجنة لا يتجاوز عددها عن واحد وعشرين خطأ فقط من أصل 3000 متقدم، تعد مبررا كافيا للإلغاء المجرد. وهل هي مخالفات مطلقة لا يمحو عدم مشروعيتها ـ في حال وجودها ـ إلا الإلغاء التام أو المجرد؟ ذلك فإن مجرد قضاء المحكمة بإزالة وجه المخالفة البادية في القرار، إنما يكفي فيها في مثل هذه الحالة إلغاء القرار المطعون فيه إلغاء نسبيا، والأمر الذي يعد تزيدا غير مبرر، أن الحكم قضى بإلغاء قرارات شغل وظائف إدارة الخبراء سواء التي تمت بالتعيين أو النقل أو غيرهما من وسائل شغل الوظائف، سواء التي صدرت في فترة الرئيس الإداري الأول من 26/10/2014 حتى 9/12/2016، مع العلم أن تاريخ 26/10/2014 هو تاريخ تكليفي بالحقيبة الوزارية، والمسابقة محل الحكم كان أول إجراء فيها بالإعلان عنها في نهاية 2015 تقريبا.
٭ خامسا: هل الأخطاء التي استعرضها الحكم والتي انتهى منها إلى أنها أدت إلى إضافة أسماء غير مستحقة، إذ بالرجوع إلى صفحة 12 من الحكم، نجد نصه: «مما أدى لتغيير ترتيب هؤلاء المتقدمين ودخول أحدهم قائمة المقبولين»، إذن فإن هذه الأخطاء ليست بالجسامة التي يصل بها إلى حد الإلغاء المجرد، وما إن انتهي حكم التمييز إلى قناعته في تقرير هذه اللجنة، وإذ ما أن توسعت المحكمة ببسط رقابتها وتوجيهها لجهة الإدارة، فما المانع من اعتماد تقرير هذه اللجنة، وحيث انه بالرجوع إلى الأسماء المرفقة في تقرير اللجنة أن نسبة الفارق لا تتجاوز 9% رغم الضوابط الجديدة التي وضعوها من القرار المسحوب الذي صدر بعهدي وتقرير اللجنة.
وأود في الأخير أن أوضح أن ما جاء بهذا البيان هو استعراض موجز، لما سوف نعرضه قريبا من دراسة قانونية لحكم التمييز، في إطار الضوابط والمعايير القانونية والحدود التي يسمح بها القانون وفي حدود النقد النزيه.