يعمل أحد أبنائي في أحد مراكز علاج الأمراض المستعصية في الكويت منذ زمن ليس بقصير وكلما عاد الى البيت حكى لي قصصا ومواقف إنسانية غريبة منها.
يقول: تصدق (يبه) اعتدنا وزملائي أن نستقبل بشكل شبه يومي رجالا ونساء يطلبون منا إرشادهم ومساعدتهم في الحصول على مرضى وافدين يحتاجون لأي مساعدات مالية وأنهم على استعداد للقيام بدفع ما يستطيعون من مال لمساعدة ممن تقطعت سبل العيش بهم بسبب المرض وأصبحوا غير قادرين على تحويل (فلوس) أو قوت يومهم لأسرهم الذين ينتظرونها بفارغ الصبر أو سداد قيمة علاجهم!
يكمل ولد عباس: لم نكن نتوقع (يبه) أن عند إبلاغهم بعدم وجود مرضى محتاجين من فئة الوافدين في مكان عملنا تحديدا، أن يقوم الواحد منهم بتحميلنا مسؤوليات جساما برمي أظرف مليئة بالنقود على مكاتبنا موصين بتسليمها لمن نراه بحاجة ماسة إلى المال، يتساءل: أي صنف من البشر يا والدي؟
وأي سباق مع الخير هذا؟ وأي طمع بالأجر ومرضاة الله يريدونه أمثال هؤلاء من أهلنا في الكويت؟ يعلق عباس قائلا: يا ولدي هذه هي الكويت وهذه هي أفعال أهلها، هكذا تربينا ونشأ كل من عاش على هذه الأرض فلا غرابة.. قاطعته قائلا: أخبر ولدك يا عباس عن أصل الأعمال الخيرية من هذا النوع والموجودة في الكويت.
لقد تم افتتاح أول جمعية خيرية في الكويت في شهر مارس عام (1913م)، أي قبل أكثر من قرن من الزمان وقدمت خدمات رائدة، أبرزها افتتاح مستوصف لعلاج المرضى وتوزيع المال على الفقراء وتجهيز الموتى من الغرباء والمحتاجين.
وبموجب قانون عمره أكثر من نصف قرن (١٩٥٩) تم تنظيم جمع التبرعات للمنفعة العامة وتقديم المساعدات للمحتاجين داخل البلاد وخارجها يعمل بأحكامه اليوم أكثر من أربعين جمعية خيرية، كما يوجد قانون آخر لإشهار مبرات خيرية وصل عددها حتى كتابة هذه السطور لما يقارب الثمانين مبرة تعمل في مجال الخير متسلحة بفلسفة اجتماعية إنسانية ذات مقاصد سامية تخصص بعضها لمساعدة المرضى من المقيمين الذين تنقطع عنهم أقوات يومهم ويمسون عاجزين عن إعالة أسرهم في بلدانهم وآخرون تقطعت بهم السبل في الحصول على تكلفة (جرعة) الكيماوي التي يستوجب أخذها لمقاومة المرض، فتلك المبرات غايتها البحث عن أولئك المرضى من الوافدين وغيرهم لدفع تكاليف علاجهم منها، مبرة رقية القطامي لسرطان الثدي والتي تأسست عام 2003 ومبرة الدعم الإيجابي لمرضى السرطان التي أشهرت بتاريخ 27/7/2009 فتلك المبرات لها رؤية واضحة للتميز في تقديم الخدمة لمرضى السرطان وأقربائهم إيمانا من مؤسسيها بأن تعزيز الجانب الاجتماعي والنفسي والديني والطبي من الأسس المهمة في استجابة الجسم للعلاج وهدفها الوصول إلى كل مريض لنشر الأمل والتفاؤل بالعطاء المستمر والمثمر.
أما الذراع الأقوى في هذا الجانب فجمعيات النفع العام والتي منها جمعية صندوق إعانة المرضى التي أشهرت بناء على موافقة مجلس الوزراء رقم (٢٨٢) وقيام وزارة الشؤون الاجتماعية بإصدار قرار إشهارها بموجب قرارها الوزاري رقم ٩١/ ٢٠٠٥ بتاريخ ٥/ ٦/ ٢٠٠٥م، علما بأن بدايتها كانت عام ١٩٧٩م وتأسست على أيدي مجموعة من الأطباء الكويتيين لمساعدة المرضى الوافدين سواء بالمال أو توفير العلاج والأجهزة والمستلزمات الطبية لمن عجز ماديا عن توفيره.
وهناك الكثير من الجمعيات الخيرية التي تسير بذات الاتجاه، فضلا عن الجهود الذاتية التطوعية المتمثلة بالأفراد الذين صادفهم ولدك يا عباس. فلك الحمد والفضل والمنة يا ربّ على جزيل نعمك وسخاء عطائك.
عباس بلغ ولدك تلك الإضافة من المعلومات المهمة لعل الله أن يطرح فيه البركة.. قل آمين.