إعداد: أحمد مغربي
شكل القرار التاريخي بتوقيع اتفاقية عودة الإنتاج في الحقول المشتركة بين الكويت والسعودية الحدث الأبرز على الإطلاق في القطاع النفطي خلال العام 2019، حيث تم توقيع الاتفاقية في آخر أسبوع من العام من قبل وزير الطاقة السعودي صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن سلمان ووزير النفط الكويتي د.خالد الفاضل لتبدأ الانطلاقة الاولى لعودة نحو 500 ألف برميل يوميا من حقلي الخفجي والوفرة تدريجيا بعد توقف دام لـ 5 سنوات.
وخلال الجولة الميدانية التي قام بها الوزيران في منطقة العمليات في الوفرة والخفجي، أعربا عن تفاؤلهما بعودة كامل الإنتاج في أسرع وقت، حيث سيعود إنتاج حقل الخفجي في غضون 60 يوما ليعود إلى وضعه الطبيعي لإنتاج 320 ألف برميل بنهاية 2020، أما إنتاج حقل الوفرة فيستغرق أكثر من عام.
وعلى مستوى القطاع النفطي المحلي، ففي سابقة هي الاولى منذ سنوات، يودع القطاع النفطي العام 2019 بدون دخول اي مشروع نفطي الخدمة رسميا، حيث عول الخبراء كثيرا على بدء تشغيل مشروع الوقود البيئي إلا ان شركة البترول الوطنية الكويتية أعلنت عن تشغيل المشروع في 2020 بالتزامن مع تشغيل مشروع مصفاة الزور من قبل شركة البترولية المتكاملة (كيبيك).
ورغم تركيز القطاع النفطي على تنفيذ المشاريع المجدولة للإنتاج والتكرير لم يطرح اي مشروع ضخم خلال العام، وهو ما يعد أدنى مستوي منذ 10 سنوات تقريبا، ويعود ذلك بالأساس إلى تأثر وتيرة ترسية المشاريع بعدد من العراقيل من ضمنها التأخير والتوقفات والإلغاء، وتوقعت مؤسسة البترول الكويتية أن تتحسن وتيرة ترسية المشاريع نظرا لأن بعضها قد تم تأجيله من العام 2019 وترحيل أعمال الترسية حتى 2020، وفي ظل صعوبة إعادة الجدولة مرة أخرى نظرا للحاجة الملحة لتنفيذ مشاريع الإنتاج للنفط والغاز والبتروكيماويات.
ثمة تساؤلات عديدة طرحها المراقبون عبر «الأنباء» حول مبررات تأخير العديد من المشاريع الحيوية في القطاع النفطي ولم يجدوا إجابات شافية ومقنعة لأسباب الاستمرار بتأخير تنفيذ العديد من المشاريع التي من شأنها أن تسهم في تطوير هذه الصناعة بالبلاد، وتحقق الاستراتيجيات المرسومة الكفيلة برفع سقف الإنتاج الحالي ورفع جودة المنتجات المكررة والدخول في الصناعات البتروكيماوية المتطورة للحاق بركب الدول المجاورة التي نمت فيها الصناعة النفطية بشكل كبير.
وشدد المراقبون على ضرورة أن يكون هناك نهج وسياسة واضحة لمؤسسة البترول تسير عليها بغض النظر عمن يرأسها، فهذا النهج لا يتغير مع تغير الأشخاص، موضحين أن كثرة التغيرات الوزارية والقيادية والإدارية في القطاع النفطي تعيد كثيرا من المشاريع إلى نقطة الصفر، فمع كل تغيير هناك حاجة لشرح أهداف المشروع من جديد.
في البداية، قال الرئيس التنفيذي الأسبق في شركة ايكويت للبتروكيماويات حمد التركيت ان 2019 كان عاما متقلبا بالنسبة للصناعات البتروكيماويات والاقتصاد العالمي عموما، ولذلك أعلنت كثير من الشركات الرائدة أن أرباحها قلت في عام 2019 عما كان متوقع لها وذلك نتيجة اعتيادية لتباطؤ الاقتصاد العالمي ونتيجة عكسية للحرب التجارية القائمة بين أكبر سوقين في العالم الصين وأميركا.
وأضاف التركيت: «بالرغم من ذلك لازالت هذه الشركات تحقق أرباحا من هذه الصناعة بالرغم من تباطؤ الاقتصاد العالمي ومحدودية الطلب، لذا يمكن اعتبار هذه الصناعة الأفضل على الساحة لأنها ترتبط فعليا بالاستهلاك البشري الذي لا ينضب.
أما فيما يتعلق بتوقعات السوق للسنة القادمة فإنه من الطبيعي جدا أن يستمر مستوى التباطؤ السعري للمنتجات وتباطؤ الأسواق المستهلكة لأنها ارتبطت بسنة ضعيفة في مستوى الطلب العالمي وخصوصا أن مؤشرات الاقتصاد العالمي تشير الى استمرارية في الركود النسبي لأسواق البتروكيماويات تعززها العطل الموسمية، لذلك نتوقع ان تكون بداية 2020 ضعيفة نسبية واستمرارا لمستويات عام 2019 إلا أن مصيرها إلى الانتعاش تدريجيا مع بداية الربع الثاني من 2020، حيث الموسم الفعلي لنشاط الأسواق وعودة المصانع للتشغيل الكامل بعد نهاية السنة الصينية، وسعي أميركا لتحسين العلاقات التجارية وتخفيض نسبة الضرائب على السلع لقرب موسم الانتخابات الأميركية حيث الجميع يسعى لتحسين الأوضاع الاقتصادية.
وطالب التركيت بضرورة مضاعفة أو التوجه لزيادة الإنتاج من صناعة البتروكيماويات محليا وربطها بالصناعات اللاحقة لأن هذه الصناعة هي الرافد الريعي البديل للنفط مستقبلا وهي الصناعة التي تدوم والتي لا تتأثر كثيرا بتدهور الاقتصادات العالمية لأنها متعلقة باستهلاك البشر وهي من الصناعات التي تساهم بشكل مباشر في توفير فرص العمل وتعزيز الميزان التجاري.
وقال إن الاستمرار مستقبلا بتصدير النفط ومشتقاته على نفس المعدل الحالي لن يكون مجديا حسب المؤشرات الاقتصادية التي تؤكد انخفاض مستوى الأسعار للوقود الأحفوري للمشاكل البيئية المرتبطة معه، وأعتقد أن الكويت لا زالت بحاجة إلى التفكير جديا بإنشاء مصفاة نفطية خامسة وربطها بمجمع لصناعة البتروكيماويات لإنتاج مواد كيماوية خصوصية ذات القيمة العالية والتي تدخل في صناعة الأدوية والمنتجات الكيميائية الخاصة بجميع المخرجات الصناعية العامة وبالتالي تتميز بقيمة عالية وهذا برأيي أفضل من الاستمرار في تصدير النفط الخام ومشتقاته بالمعدلات الحالية.
واختتم التركيت حديثه قائلا: «أعتقد أن الدافع المهم والأهم للمضي في هذا الطريق وتعزيز صناعة البتروكيماويات هو إدراك القيمة المضافة الناتجة عن هذه الصناعة وكيف تحقق أهداف خطة الكويت التنموية مستقبلا في إيجاد مصادر دخل مرادف للنفط والاستفادة من الطاقة البشرية الشبابية المتاحة وكذلك الاستفادة من موقع الكويت اللوجستي قرب أكبر الأسواق الاستهلاكية في المنطقة».
من جانبه، قال الخبير والاستشاري النفطي د.عبدالسميع بهبهاني ان مؤسسة البترول الكويتية وضعت خطة لزيادة إنتاج النفط الى 4 ملايين برميل يوميا وذلك عن طريق تطوير اكتشافات الغاز الجوراسي والحفر البحري وتطوير نفط فارس الثقيل وتطوير حقول المنطقة المقسومة وتطوير اكتشافات الغاز الحر في شمال وغرب الكويت بالإضافة الى تحسين النفط الخام بتقليص نسبه الكبريت وزيادة كثافة مؤشر API، وقد تم رصد 36 مليار دينار ويفترض ان الخطة قد أنجزت في 2019 ولكن تأجلت مرارا وتكرارا وآخر تصريح هو ان تتم الخطة في 2023 ولكن يبدو للمراقب ان ما تم من الخطة لا يتجاوز 40%.
وأشار بهبهاني الى ان حجم الخسائر المالية من توقف العمليات الإنتاجية في حقلي الخفجي والوفرة فاقت الـ 15 مليار دينار، كما ان الكويت تعول كثيرا على مشاريع الزور والوقود البيئي التي يفترض ان تبدأ نشاطها لإنتاج مشتقات 5 ـ 10 مشتقات بسعة 1.1 مليون برميل.
وذكر ان إنتاج الغاز الحر بعد اكتشافه في حقول الصابرية وام نقا والعمق الجوراسي وإذا أضفنا إليها حقل الدرة في المنطقة المقسومة فسيكون لدينا مخزون لا يقل عن 45 مليون قدم مكعبة بما يكفي حاجة الكويت 30 سنة بمعدل يومي 4 مليارات قدم مكعبة، وتم وضع خطة للإنتاج بواقع 3.7 مليارات قدم مكعبة يوميا في 2015 والآن الإنتاج فقط 1.7 مليار قدم مكعبة من الغاز الحر والمصاحب.
وأضاف بهبهاني انه يلاحظ الإيرادات الضعيفة والأرباح الأضعف لمؤسسة البترول الكويتية إذ ان الكويت الأضعف في جني الكاش الحر (Free cash flow) عندما يرتفع البرميل دولارا واحدا فتجني 5 سنتات فقط مقارنه بشركة «أدنوك» الإماراتية التي تجني 75 سنتا.
وفي سؤال حول أسباب تأخر المشاريع النفطية قال بهبهاني ان التقديرات الزمنية للمشاريع تتناقض بين المعد للبرنامج الاقتصادي للمشروع وبين المقاولين وأغلبها تكون بقصد!، بالإضافة الى ضعف بعض القيادات النفطية في فهم تفاصيل بناء المشاريع وضعف لجان الرقابة للتنبؤات المستقبلية لسير المشاريع وانعكاس ذلك على جدواها.
وحول الأمور التي طالب بهبهاني بها في القطاع النفطي خلال 2020 رصدها في التالي:
1 ـ مراجعة جادة لأسباب تأخير إنجاز المشاريع بأساليب الثواب والعقاب، وذلك لتفادي فقدان جدواها الاقتصادي ولحماياتها من الهدر المالي.
2 ـ تعجيل الانتهاء من مصافي الزور والوقود البيئي بقدرة إنتاجية تقدر بنحو 1.4 مليون برميل يوميا، ولازلنا نستهلك محليا 95% من إنتاج المصافي.
3 ـ زيادة المخزون والقدرة الإنتاجية وبذلك يتم رفع سقف حصة الكويت في منظمة «أوپيك».
4 ـ المخزون النفطي الكويتي بعد غلق حقول المنطقة المقسومة يتهتك ويزداد سرعة في كهولته والاضطرار إلى الانتاج الثانوي.
5 ـ تقليص النفقات العالية بمراجعه المشاريع المكلفة وترشيدها.
وحول أسعار النفط قال بهبهاني ان سعر برميل النفط قلت تقلباته نسبيا في 2019 لتنتهي السنة بسعر متوسط 62 دولارا لخام برنت ولكن هل يهم ذلك في زيادة إيرادات وأرباح النفط؟ للأسف ليس كذلك، فالقطاع النفطي الكويتي هو الأقل استفادة من ارتفاع سعر برميل النفط بين الشركات العالمية والوطنية المجاورة.
خسائر متفاقمة.. والأداء سيئ
لتقييم أداء القطاع النفطي في 2019 ذكر بهبهاني انه اذا استعنا بمؤشر الكلفة الرأسمالية والتشغيلية كمعيار مقابل الأداء فقط (وليس المنتج) والكلفة الرأسمالية (40 مليار دينار المرصودة لتنفيذ المشاريع) لرفع الإنتاج اليومي للنفط الخام 4 ملايين برميل ومشتقات نفطية 1.4 مليون برميل وبتروكيماويات (المتخلفة عن دول الجوار) لإنتاج الاولفينات والعطريات والمتخصصة بإنجاز 9% فقط (والمفترض ينتهي 2023)، فإن خسائر الكويت الحسابية وليست الاقتصادية فإن خسائر المصافي تتجاوز 2.5 مليار دولار وخسائر المنطقة المقسومة 25 مليار دولار (حصة الكويت) وتأخر زيادة إنتاج النفط الخام 500 مليون دولار والمشاريع الخارجية نحو مليار دولار بهذه الحسابات والخسائر المخففة تستطيع القول ان الأداء سيئ
حسن إدارة التوظيف
دعا بهبهاني الى ضرورة حسن إدارة التوظيف فرغم كبر الكلفة الرأسمالية للمشاريع الحالية إلا أن نسبه كلفة التشغيل تعد أعلى منها في كلفة برميل النفط ومن أهم أسبابه التوظيف الشكلي والفوضوي، ولنسهل الفهم على القارئ فإن 33 ألف موظف في شركات نفط الولايات المتحدة ينتجون 15 مليون برميل نفط يومي من غير المشتقات وبالمقارنة في الكويت هناك 22 ألف موظف ينتجون 3 ملايين برميل بمشتقاته! هذه ليس دعوة لإيقاف التوظيف ولكنها دعوة الى حسن إدارة التوظيف بين المواطن والوافد!.