أعلنت عدة شركات عالمية مثل «Adobe» و«General Electric» و«Accenture» في عام 2014 عن تخليها عن تقييم الموظف السنوي. والسبب؟ انتقالها الى إدارة أداء الموظف بشكل مستمر، وطلب من المسؤولين التحقق من الموظفين بشكل دوري، فقد أدركت تلك الشركات أن التقييم السنوي لا يحقق الأهداف المنشودة. حيث يهدف التقييم السنوي لتعزيز تصرفات إيجابية، ومعاقبة تصرفات سلبية، من خلال المكافآت والعقوبات التي تترتب على التقييم. فالمفترض، من هذا النظام، ان يخلق ثقافة عمل موحدة تساهم في تحقيق أهداف المؤسسة.
إلا أن لاحظت تلك الشركات، انه عند اعتمادها على التقييم السنوي فقط، لن يرى الموظفون بوضوح الصلة بين تصرفاتهم وسبب تقييمهم، ولذلك يصعب على الشركة تعزيز التصرفات المرغوبة، والتخلص من التصرفات غير المرغوبة. فلم تقم تلك الشركات بالتغيير إلى إدارة الاداء بشكل مستمر، الا بسبب اعتقادها ان دور المدير الأساسي هو تطوير أداء الموظف، من خلال إبداء رأيه وردود فعله عن ادائه.
هذا ما يحدث في الشركات الكبيرة الناجحة، أما إذا قارنا ذلك بنظام ديوان الخدمة المدنية فسنجد فيه عددا من العيوب التي تعرقل، بدلا من ان تشجع، على بناء بيئة عمل ذات إنتاجية عالية.
اولا، التقييم غير موضوعي، وذلك لاعتماد التقييم على معايير عامة. على سبيل المثال، تحت عنصر «حجم ودقة العمل» لوزارة التربية، يذكر بيان التقييم: «يخطط مسبقا للعمل وينجز كافة متطلباته بإتقان وتميز بوقت قياسي». فما معنى إتقان وتميز؟ عدم الدقة وعدم وجود نتائج قابلة للقياس، يجعل التقييم خاضعا للشخصانية، كما يصعب على الموظف فهم سبب حصوله على تقييم، وما هي التصرفات التي يجب إظهارها، أو ايقافها.
ثانيا، ما زالت معظم الترقيات والتعيينات تعتمد على سنوات الخبرة. الا ان دراسة نشرت في عام 2019 نظرت الى 80 شركة و11 ألف موظف عبر 60 عاما ووجدت ان للخبرة السابقة تأثير بسيط جدا على أداء الموظف. ولذلك يبدو ان متطلبات «سنوات خبرة» لاختيار وترقية الموظف أسلوب غير فعال، حيث ان القدرة على الإنجاز اهم من الخبرة. بل وان مكافأة الخبرة نظام يحبط، ولا يشجع. فإن الترقية بناء على الأقدمية، بدلاً من ان يكون بناء على الإنجاز يشجع «الاستمرار» للحصول على مناصب قيادية، اكثر من ان يشجع على الإنجاز.
ثالثا، ينص ديوان الخدمة عن تقييم الموظفين: «لتخفيف العبء عن الجهات الإدارية المختلفة وللتفرغ للمهام الأصلية، فقد جعلها ثلاث مراتب هي: ضعيف، جيد، ممتاز. وللمزيد من التخفيف، من لم يقدم عنه تقرير يعتبر جيدا، بحيث يكتفي بوضع تقرير عن الضعيف والممتاز». مما يعني ان هناك عددا كبيرا من الموظفين لا يتلقون أي معلومات عن أدائهم وكيفية تطويره. ومما قد يعفي المدير من القيام بأهم مسؤولياته.
وآخرا، ان أي نظام يضمن للموظف الحفاظ (وذلك يختلف عن الحصول) على وظيفته، ويصعب على المدير معاقبة المقصر، لن ينجح. فبوجود تلك الضمانات ستزداد المطالبات وتقل المساهمات، حتى نصل الى الإفلاس.
والجدير بالذكر ان المادة 41 من الدستور تنص: «لكل كويتي الحق في العمل وفي اختيار نوعه. والعمل واجب على كل مواطن تقتضيه الكرامة ويستوجبه الخير العام». مما يعني ان العمل حق، وواجب. فإذا أخل الموظف بواجبه، سقط حقه. لذلك، ان عدم محاسبة المقصر، غش وظلم، ليس رحمة وعدالة.
نظام ديوان الخدمة بحاجة الى تجديد، حيث ان أكبر أنواع الإفلاس التي نواجهها هي ضعف الإنتاجية، بل وان وزارة المالية تتحمل بشكل كبير أعباء سوء الإدارة وضعف الإنتاج في وزارات الدولة الأخرى.
والحل لا يجب ان ينحصر بين تخفيض رواتب ودعومات، أو «إيقاف الهدر والسرقات»، بل قد يكون الحل في تغيير ثقافة العمل، من خلال تطوير نظام ديوان الخدمة، وتقديم قوانين جديدة، تقلل من سياسة الصرف من غير مقابل، وتحمس الموظف للإنتاجية والتطوير.
و(إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).
دكتور ريادة أعمال في جامعة الكويت