كانت في بعثة للدراسات العليا خارج الكويت عندما حل عليها ابن أختها ضيفا لفترة مؤقته حتى ينتهي من ترتيبات سكنه وينتقل ليعيش مع العائلات التي تستقبل الطلبة أثناء فترة دراستهم اللغة الانجليزية قبل انخراطه بدخول الجامعة كما هي العادة في بريطانيا، لاحظت الأخت الكريمة ان سعادة الضيف كان يتصرف وكأنه يسكن فندقا فيترك فراشه دون ترتيب ويلقي بملابسه في أي مكان دون اهتمام وكأن الشغالة ستقوم بلمّها، ويقوم من طاولة الطعام تاركا وراءه البقايا مع الصحون دون أن يدرك انه هو المسؤول عن تنظيف الأواني والمطبخ بعد ان يشبع.
تقول اختنا الكريمة: لقد تحملت والتزمت الصبر وفقا لقيمنا التي تدعو الى إكرام الضيف وإكراما لأختها والدة الشاب، وقد طاف اليوم الاول ثم تبعه اليوم الثاني والثالث أيضا ولكنها لم تمرّر اليوم الرابع فاستوقفنه وقالت له عزيزي اذا كانت والدتك احتملتك وكانت تقوم بمراعاتك لتخدمك، واذا اخواتك كن يتكفلن بأداء بعض واجباتك وكذلك اذا كانت الشغالة هناك مسؤولة عن أداء هذه الخدمات في بيتكم فالوضع يختلف تماما هنا، عليك ان تدرك أنهم غير موجودين، فهنا أنت المسؤول الوحيد عن توفير هذه الواجبات وستقوم بأي من احتياجاتك الشخصية وبنفسك دون معين.
سعيد من يقوم بتربية ابنائه منذ نعومة أظافرهم التربية الحسنة ولنا في رسولنا الكريم صلى الله علية وسلم الأسوة الحسنة في التربية.
فعلينا ان ندللهم مع اللطف في تصحيح الأخطاء وبالرفق وهم صغارا، أما بعد ان يشتد عودهم فعلينا ان ننمي ثقتهم بأنفسهم وتكليفهم بأداء بعض الواجبات داخل وخارج المنزل ونوجههم الى الصواب ونبعدهم عن الضلال ونشعرهم بالعقاب اذا لزم الامر ومكافأتهم اذا ابلوا بلاء حسنا، وفي مرحلة بعد المراهقة نشعرهم بقدراتهم على تقديم المشورة ونشاركهم في اتخاذ القرارات ليتم تأهليهم لمواجهة الحياة بكل محاسنها وعواقبها فيلينون للضعفاء ويتصلبون أمام الأقوياء فإن تقويم ساق الشجرة يبدأ منذ بداية غرسها.
كيف نتوقع من شاب أو شابة يفقدان الشعور بالمسؤولية ان يكونا قادرين للقيام بأي واجب كان؟ وكيف نطمع فيمن لم يمارس التجربة ان ينجح في عمل ما؟. عدم تكليف الأبناء بالقيام ببعض المهام يسلبهم الثقة بأنفسهم، لذا سيكونون لبنة رطبة سهلة التشكيل من قبل الآخرين حتى وان لم تكن لمصلحتهم. لقد وقعت بعض المشاكل وكان أسبابها احد الطرفين إما العاملة او مستقدموها واغلبها إما للمستوى الثقافي أو الإرث الاجتماعي بسبب العادات والتقاليد وان كانت قليلة ولكن آثارها كبيرة.
ولقد شعر الكثير منا بالاستياء والاشمئزاز من تلك الاخبار التي تم تداولها منذ اشهر معدودة ومن خلال وسائل الاعلام والاتصال المختلفة ومن بعض الدول أو الاشخاص ومكاتب العمالة أيضا والتي نستعين بها لاستيراد العمالة لأسباب يعلمها الله ويعلمها العباد.
خلاصة الموضوع مهما كانت حاجتنا الى الاستعانة بالآخرين ضرورة ملحة فلا ترقى لأن نخضع للابتزاز او الاستغلال، فعلينا ان نتعاضد مع الاجهزة الرسمية بالدولة لنكون درعا واحدة منيعة أمام الآخرين. فهل يا ترى سيأتي اليوم الذي يمكننا الاستغناء عن العمالة وخصوصا المنزلية جزئيا او بشكل تام. أكاد استشعر الاجابة من السواد الأعظم والمعتادين على رفض أي تغيير ويفتقدون تحديات تغيير نمط حياتهم الا بالقوة ولكنني أيضا متفائل من الاغلبية العاقلة من ردها الايجابي اذا توافرت لها البدائل والخيارات والوسائل المناسبة.
حتى نرى ذلك اليوم الذي تخلو منازل المواطنين والوافدين في البلاد من الغرباء الذين يشاركونهم مساكنهم وحياتهم الخاصة وحشر أنوفهم بكل صغيرة وكبيرة وان نغلق المنافذ على خصوصياتنا. فلا فقدان لأموال أو مواد أو إباحة أسرار، ولتكون اسرنا نقية نقاء الذهب من الشوائب ومحفوظة كما هي النوايا قبل الظهور للأعين والغالبية تعلم ما وراء القصد فلعلنا ننظر للآتي بعين الأهمية:
٭ استخدام التكنولوجيا الحديثة جزء مهم في تطور القطاع التربوي والصناعي (أجهزة الطبخ الغسل والتنظيف على سبيل المثال) وكذلك في المجالات الاخرى مما خفض من نسبة الاعتماد على الأيدي العاملة بينما زاد من دقة الاتقان بنتائج جودة العمل.
٭ إدارة الوقت ليست مقصورة على الجهات الرسمية والأهلية ولكنها عامل مهم للنجاح حتى في سعادة الأسر سواء الصغيرة منها او الكبيرة.
٭ ربات الأسر وهن الشريك الاستراتيجي في المنزل وأرباب الأسر هم أساس صناعة القرار والمسؤولون عن النجاح ومساعدة باقي أفراد الأسرة، فيجب أن تكون لديهم رؤية واضحة وحريصه لتحفيز البقية بالشكل الصحيح. فلابد أن يقوموا بالتفكير الايجابي والتخطيط بشكل سليم للاستغناء التدريجي عن العمالة المنزلية.
٭ مسؤولية نجاح هذه المهمة تقع على كاهل الجميع فلابد من تعاون كل الأطراف بالدولة، الجهات التنفيذية والرقابية وجميع قطاعات المجتمع لتصبح كتلة واحدة في تصويب وتصحيح هذه الظاهرة ونكون نحن من يقرر ويختار احتياجاتنا ولا تفرض علينا قهرا ولا نخضع لأي ابتزاز واستغلال غير سليم من الأطراف الأخرى الدخيلة.
[email protected]