- قلت للشيخ جابر إن صدام أبلغني بأنه لا ينوي الاعتداء عسكرياً.. لكن لازم الكويت تاخد احتياطاتها
- أُبلغت بالغزو فجر 2 أغسطس.. وكانت صدمة كبيرة ولم أتخيل أن صدام يُقدم على كهذا عمل
- الكويت اليوم لها دور فعّال ومتوازن في العالم العربي والخليج
- كان عندي الشيخ زايد وقت الغزو الغاشم وعاد إلى أبوظبي بطائرة الرئاسة المصرية.. تخوفاً من ضرب صدام لطائرته!
أكد الرئيس المصري الأسبق الراحل محمد حسني مبارك ان الكويت وشعبها لهما معزة خاصة في قلبه وأن علاقات الأخوة ممتدة مع الكثيرين من أهلها، مضيفا انه كان على تواصل مع صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد.
وقال مبارك في آخر حوار له مع الزميلة فجر السعيد نشر في «الأنباء» ان الكويت اليوم لها دور فعال ومتوازن في العالم العربي والخليج.
وعن دوره خلال الغزو العراقي الغاشم للكويت وصولا الى التحرير، قال مبارك انه بعد القمة العربية التي عقدت في بغداد استمر صدام حسين في التصعيد من لهجته ضد دول الخليج، وأضاف انه علم ان العراق حشد قواته على الحدود وأنها لا تبدو من حجمها وتمركزها انها قوات دفاعية، فقررت على الفور زيارة العراق لتهدئة الأمور، وجاءني الأمير سعود الفيصل مبعوثا من الملك فهد للتشاور معي قبل لقاء صدام الذي استمر في الشكوى من الكويت، وقلت له أي مشاكل تحل بالحوار الهادئ بعيدا عن التصريحات والتراشق الإعلامي والتهديد.. وسألته تحديدا عن نيته مع تواجد قواته على حدود الكويت.. فقال لي انه لا ينوي الاعتداء على الكويت، لكنه أضاف: «لا تقول لهم كده»، وتابع مبارك: اقترحت ضرورة عقد لقاء بين العراق والكويت.. «فقلت له أنا حروح الكويت والسعودية وحبلغه بمقترحات لترتيب لقاء للحوار يوم الأحد 29 يوليو في السعودية.
وقال مبارك: «وانا في اتجاهي للكويت أبلغت وأنا في الطيارة بتصريح صحافي من طارق عزيز بعد مغادرتي على الفور يقول فيه انهم عقدوا لقاءات مطولة معي لمناقشة العلاقات الثنائية.. الشك زاد اكثر.. ثنائية إيه؟ هو أنا جايلكم من الفجر عشان أناقش العلاقات الثنائية، ولكن وصلت الكويت، وقابلت الشيخ جابر الأحمد، رحمه الله، في المطار.. وقلت له ان صدام قالي بوضوح انه مش حيقوم بأي عمل عسكري.. بس قولت للشيخ جابر ايضا انه لازم تأخذ احتياطات لأن صدام مراوغ.. وقلت له أنا على استعداد أبعت اي مساعدات دفاعية تطلبها الكويت.. وفي نفس الوقت قلت له أنا ذاهب على السعودية للتشاور مع الملك فهد على عقد لقاء يجمع الكويت والعراق والسعودية لتهدئة الأمور.. واقترحت للشيخ جابر أن يحضر ولي العهد الشيخ سعد العبدالله هذا اللقاء. واستطرد مبارك: «أبلغت الشيخ جابر بما تعهد به صدام لي.. لكن في نفس الوقت حذرته من مراوغته وانه ذكر لي ألا أبلغ الكويت بما تعهد به لي.. كان لدي شكوك وعشان كده قلت للشيخ جابر يأخذ احتياطاته وأنا مستعد أبعت له أي مساعدة أو احتياجات دفاعية».
وتابع مبارك قائلا: «بعد ذلك ذهبت الى السعودية وتقابلت مع الملك فهد والأمير عبدالله.. واتفقت معهم على أهمية الدعوة للقاء يضم العراقيين والكويتيين في السعودية يوم الأحد 29 يوليو.. وبالفعل دعاهم الأمير عبدالله لاجتماع في جدة يوم الأحد 29 يوليو.. ولكن الوفد العراقي قرر أن يحضر يوم الثلاثاء 31 يوليو.. وحضر الأمير عبدالله معهم العشاء قبل الاجتماعات.. ورأس الوفد الكويتي الشيخ سعد والعراقي عزة إبراهيم.. واجتمع الوفدان مساء الثلاثاء وظهر الأربعاء.. اتضح ان الوفد العراقي كان جاي متبرمج على كلام محدد يقوله وليس لديه اي تفويض بالتفاوض لحل الخلاف.. وسافر الوفدان والعراقيين راحوا عملوا عمرة ورجعوا العراق فجر الخميس.. وبعدها على الفور دخلت القوات العراقية الكويت.
وردا على سؤال الزميلة فجر السعيد حول توقيت إبلاغه بالغزو، قال مبارك: «أنا كنت في برج العرب والمكتب عندي صحوني بدري صباحا يوم الخميس 2 أغسطس وأبلغوني بأن القوات العراقية دخلت الكويت.. كانت صدمة.. لم أكن أتخيل أن صدام يقدم على هذا العمل، دولة عربية تعتدي وتحتل دولة عربية أخرى ذات سيادة وتضمها لها.. كلام مش معقول.. كان أقصى تصور لدى البعض أن تحصل مناوشات على الحدود عند آبار البترول، لكن اعتداء واحتلال وضم الكويت للعراق.. غير معقول».
وتابع: «أنا كان عندي الشيخ زايد في زيارة يومها.. فتقابلت معه للتشاور حول ما حدث.. وعاد إلى أبوظبي بطائرة الرئاسة المصرية لأن كان هناك تخوف ان صدام يحاول يضرب طيارة الشيخ زايد.. ما هو بعد اللي حصل ده كان هناك إحساس بأن صدام ممكن يعمل اي حاجة.. وجاءني بعد الظهر الملك حسين.. وقلت له يا جلالة الملك ازاي صدام يعمل كده.. مش هو اللي بيقول دايما انه بيدافع عن البوابة الشرقية للعالم العربي.. يقوم يعتدي ويحتل دولة عربية؟! وقلت للملك إذا صدام لم يتراجع فأنا مضطر لأن آخذ موقف حازم ضد اللي حصل ده.. الملك طلب مني اني ما اطلعش أي تصريح لحد هو ما يروح يقابله.. قلت له أنا مستعد أعمل أي شيء لحفظ ماء الوجه لصدام بس لازم يبقى ده مقرون بانسحابه من الكويت.. ممكن نعمل قمة مصغرة لبحث الوضع بس لازم وعد بأنه حينسحب على الفور.. الملك راح قابله تاني يوم وكلمني بعد اللقاء وقال لي بما معناه ان صدام مش حينسحب وطلب مني ماطلعش بيان علشان ندي فرصة لحل ما.. طبعا لا يمكن كنت أسكت على الوضع ده.. لازم مصر يكون لها موقف واضح وحازم.. فأصدرت تعليمات بإصدار بيان يدين ما حدث ويحث العراق على الانسحاب والتحذير من العواقب الوخيمة على العراق والعالم العربي.. وكان في تشاور مع السعودية والإمارات لاستعداد مصر لإرسال قوات للدفاع عنهم لأن كان في مؤشرات ان صدام قد لا يتوقف عند غزو الكويت.. في مساء نفس يوم الغزو استدعيت السفير العراقي في مصر وطلبت منه يبلغ صدام حسين بخطورة الموقف وأنا على استعداد للمساعدة على الخروج من هذا الوضع وعقد قمة مصغرة شريطة ان يتعهد بانسحاب قواته من الكويت، ولكن السفير غادر الى العراق ولم أتلق أي رد من صدام».
القمة العربية بعد الغزو
وعن ظروف القمة العربية التي عقدت بعد الغزو، أوضح مبارك قائلا: «أنا كنت شايف الوضع بيتدهور والعالم مش حيسكت فقررت يوم 8 أغسطس الدعوة لقمة عربية عاجلة محذرا من خطورة الوضع.. وعقدت القمة بالفعل تاني يوم على طول.. وشهدت القمة تراشقات ومحاولات لإفشالها بكل الطرق.. السعودية كانت عايزة قرار يمكنها من دعوة قوات أجنبية لحمايتها وتحرير الكويت.. القوات العربية لم تكن مشكلة لأن احنا عندنا اتفاقية الدفاع العربي المشترك.. وأنا لاحقا أخذت موافقة البرلمان وأرسلت قوات مصرية للسعودية والإمارات.. الوفد العراقي لما جه طلب عدم حضور وفد الكويت على أساس انهم ضموا الكويت للعراق.. شيء غير معقول.. وحصل ما بينهم وما بين الوفد الكويتي تراشق بالألفاظ في مقر المؤتمر.. وأنا كنت وفرت للوفد العراقي مقر إقامة مستقل منعا لأي احتكاك بينهم وبين الوفد الكويتي لأن الموقف كان ملتهبا.. قابلت الوفد العراقي اللي كان برئاسة طه ياسين رمضان.. قالي مش عايز الوفد الكويتي يتكلموا في المؤتمر.. قلت له الكويت دولة عربية ذات سيادة.. امال احنا عاملين مؤتمر قمة ليه؟ عشان نوافق على الاحتلال؟ طبعا ما سألتش فيهم.. ولما بدأنا الجلسة وجدت البعض عايز يتم طرح مشروع القرار على طول.. والبعض الآخر عايز يزايد علينا.. ياسر عرفات اقترح تشكيل وفد مني ومن الشيخ زايد وآخرين ونروح نقابل صدام.. قلت له لا روح انت.. القذافي كان عمال يعترض على إدارة الجلسة وعايز يبوظ التصويت.. أنا أصريت ان الكل يتكلم الأول وبعدين أعرض مشروع القرار للتصويت. الأمين العام للجامعة كان تونسيا.. الشاذلي القليبي.. مع سخونة الجلسة وجدته مرتبكا في حصد الأصوات على مشروع القرار.. فأخذت زمام الأمور وبدأت في التصويت وحصل القرار على الأغلبية واعتمد القرار ورفعت الجلسة.. وأنا خارج من القاعة سمعت الوفد العراقي يوجه لي السباب فتجاهلتهم.. هما كانوا عايزين اشتباك لإفشال القمة.. القذافي برده كان زعلان وبيحتج.. ورجعت للقذافي بعد كده في القاعة لأنه فضل قاعد جوه وغضبان.. احتويته وقلت له يا معمر التصويت بالأغلبية وأخذته في نفس اليوم هو وحافظ الأسد في زيارة للإسكندرية واحتويت الأمر.. وفشلت محاولات إفشال القمة.. الفشل كان يعني القبول بالأمر الواقع وترك السعودية ودول الخليج تحت تهديد صدام.. ده كان وضع لا يمكن قبوله».
وأضاف الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك انه بعد موافقة مجلس الشعب المصري تم إرسال القوات المصرية الى السعودية ضمن قوات التحالف لتحرير الكويت وان الشيخ زايد طلب منه قوات لحماية آبار البترول عنده فأرسلت له لواء صاعقة.. القوات في السعودية كانت مهمتها محددة بتحرير الكويت وليس دخول العراق.. ولما كلمني الرئيس الأميركي قبل نهاية الحرب يأخذ رأيي في دخول قوات التحالف للعراق للقبض على صدام حسين.. قولت له لن يدخل جندي مصري للعراق وإذا أنت أقدمت على هذا ستخسر الدعم العربي.. ولذلك تراجع عن هذه الفكرة وانتهت الحرب بتحرير الكويت.
الأمل في انسحاب العراق
وعن الأمل في انسحاب العراق من الكويت، قال مبارك: «أي أمل كان يتضاءل بسرعة مع إصرار صدام على عدم التراجع.. حذرته مرات عديدة.. أبلغته بأن قراءته للمشهد الدولي خاطئة، قولت له ان العمل العسكري قادم ضدك لا محالة إذا لم تنسحب.. بس ما كانش في فايدة.. ورد عليا من خلال تصريح لوزير إعلامه قالي انت خفيف ومش فاهم الوضع».
موعد الحرب
أما عن حرب تحرير الكويت، فقال مبارك: «احنا طبعا كان لنا قوات في مسرح العمليات فكان هناك تنسيق عسكري وأيضا سياسي.. الرئيس الأميركي جورج بوش أبلغني تلفونيا فجر يوم 16 يناير انه سيوجه خطابا للشعب الأميركي يعلن فيه بدء تحرير الكويت».
تابع مبارك: «أنا أعرف معنى الحرب كويس.. ولما أكون رئيسا للجمهورية وأخذت قرارا بإرسال قواتنا العسكرية للحرب خارج الحدود فبالطبع لازم أتأكد دوما انهم قادرون على إنجاز المهمة ولديهم من الإمكانات للدفاع عن أنفسهم وحماية القوات.. الحرب الجوية استمرت حوالي أربعين يوما.. وصدام حاول جر إسرائيل في هذه الحرب بإطلاق صواريخ سكود عليها.. أتذكر انني أبلغت فجرا يوم إطلاق أول صواريخ سكود على إسرائيل، والكل توقع ان ترد إسرائيل وتضرب العراق.. اتصلت بالرئيس الأميركي على الفور وأبلغته بأنه يجب ان يمنع إسرائيل من الرد على هذه الصواريخ لأن هذا سيعقد الأمور ويسبب مشاكل للقوات العربية المشاركة في تحرير الكويت.. وبالفعل تفهم الرئيس بوش ونجح في إقناع إسرائيل بعدم الرد وزودهم بصواريخ باتريوت للتعامل مع صواريخ سكود.. دي كانت نقطة حرجة جدا أثناء الحرب.. الموقف الآخر هو ما ذكرته سابقا من تفكير الأميركان في دخول العراق وهو ما حذرت منه وما استجاب له الرئيس الأميركي.. وأخيرا مع بداية الحرب البرية كانت هناك متابعة مستمرة للاطمئنان على القوات المصرية وسلامتها ونجاحها في إتمام المهمة.. وللعلم القوات المصرية كانت أمام الحدود الكويتية ورفضت اي تمركز لها أمام حدود العراق.. مهمتنا كانت واضحة.. المشاركة في تحرير الكويت وليس دخول العراق أو الاعتداء عليه».
وفي نهاية حواره توجه الرئيس المصري الأسبق الراحل حسني مبارك بكلمة للشعب الكويتي قائلا: «الكويت وشعب الكويت لهم معزة خاصة عندي، علاقات الاخوة ممتدة مع الكثيرين من أهل الكويت، انا على تواصل مع الأمير الشيخ صباح الأحمد، عملنا مع بعض في الفترة العصيبة إبان احتلال الكويت ثم تحريرها عندما كان وزيرا للخارجية، الكويت اليوم لها دور فعال ومتوازن في العالم العربي ومنطقة الخليج، أتمنى للكويت وأهلها وأميرها كل الخير والتقدم بإذن الله».