شهدت أسعار البترول انهيارا كبيرا في الأيام الماضية بعد إعلان روسيا فشل اتفاق «أوپيك+»، حيث رفضت خفض إنتاجها اليومي، الأمر الذي أدى لإعلان المملكة العربية السعودية عن خفض سعر البرميل بواقع 8 دولارات تقريبا، تزامن مع إعلان المملكة عزمها رفع حجم إنتاجها قريبا للحد الأقصى وهو 12 مليون برميل يوميا.
قرأت عدة تقارير حول انهيار أسعار البترول، ولاحظت امتعاض رؤساء شركات النفط الروسية من قرار حكومة بلادهم بعدم التوصل لاتفاق مع «أوپيك» حول خفض الإنتاج، وتأكيدهم أن روسيا ستخسر نحو 150 مليون دولار بسبب هذا التعنت.
> > >
الغريب أن قرارات زيادة الإنتاج وضخ كميات كبيرة في السوق تأتي في وقت حرج للغاية، حيث تراجع الطلب أصلا بسبب انتشار فيروس كورونا الجديد (كوفيد ـ 19)، والذي أدى لإغلاق عدد كبير من المصانع حول العالم، خاصة في الصين، المستورد الأكبر للنفط في العالم. إذن ما الحكمة من إغراق السوق في وقت تراجع الطلب؟ هذا سيوصلنا إلى ما يسمى في الاقتصاد بـ «تخمة السوق»، حيث يتجاوز العرض الطلب بكثير، ما يؤدي إلى كساد السلعة (وهي النفط هنا) وانهيار قيمتها. وفي ظل حقيقة أن النفط يشكل أكثر من 80% من مصادر الدخل في دولنا تحديدا، يصبح هذا الواقع بمنزلة كابوس مرعب يهدد اقتصادنا الوطني بشكل كبير.
لاحظوا.. في الكويت مثلا، أعلنت الحكومة عن عجز متوقع في ميزانية الدولة للعام 2020 بأكثر من 7 مليارات دينار كويتي، هذا بحساب الميزانية على أساس سعر 55 دولارا للبرميل، فتخيلوا كم سيبلغ العجز عندما ينخفض السعر إلى 30 دولارا (مع أن الخبراء يتوقعون انخفاضه لـ 20 دولارا)!
في روسيا، تحددت الميزانية العامة عندهم على سعر 42 دولارا للبرميل، بينما في السعودية تحددت الميزانية على أساس سعر 70 دولارا للبرميل. واضح أن الجميع خاسر، والرابح الوحيد هو المشتري لنفطنا الرخيص.
> > >
من الأمور الغريبة التي لاحظتها أيضا، أن الخسائر ستتضاعف أكثر مع رفع الإنتاج وانخفاض الأسعار، فمثلا.. السعودية تنتج حاليا 9.7 ملايين برميل يوميا، فإذا باعت بسعر 55 دولارا فالناتج 533 مليون دولار يوميا، بينما إذا رفعت الإنتاج كما أعلنت إلى 12 مليون برميل، وباعت بسعر 30 دولارا فالناتج 360 مليون دولار، أي بخسارة 173 مليون دولار يوميا. مقابل روسيا التي تبيع حاليا 11 مليون برميل، فإذا باعت بسعر 55 دولارا فالناتج 605 ملايين دولار يوميا، في حين إذا باعت بالسعر المنخفض 30 دولارا فالناتج 330 مليون دولار، أي بخسارة محققة 275 مليون دولار يوميا.
يتبين لنا إذن من خلال هذه الحسابات البسيطة أن الجميع خاسر، كل منتجي البترول خاسرون بسبب عدم الاتفاق على خفض الإنتاج، والذي يفرضه الواقع أصلا.
ولاحظوا أيضا.. أن معظم عمليات البيع التي تمت خلال الأيام الماضية، تمت بعقود بيع آجلة لعدة أشهر قادمة بسعر بلغ 31 دولارا، هذا يعني أننا نخسر من اليوم إلى غاية شهر مايو وربما أبعد خسائر محققة، وستستمر الخسائر والنزيف إذا لم يتم التوصل الى اتفاق.. نحن نتحدث هنا عن شريان الحياة لدولنا التي تعتمد على النفط كمصدر أساسي للدخل، فالمسألة لا تحتمل العناد ومحاولات تكسير العظم، فالجميع خاسر في معركة التدمير الذاتي هذه.
[email protected]