- إدارة الأزمات في مثل تلك الظروف تستلزم أن تكون لدى الدولة استعدادات كافية لما هو غير متوقع والتعامل مع ما قد يحدث من أحداث غير متوقعة
- إدارة الأزمات تتطلب أن تدار من مجموعة تتميز بقدرة إدارية ذات كفاءة ومهنية عالية ومؤهلة للعمل في مثل تلك الظروف لتكون قادرة على تقليل المخاطر والخسائر
- إدارة الأزمات تعتبر إدارة استثنائية أو ما يطلق عليها البعض مصطلح الإدارة بالاستثناء فإنها تستلزم أيضا تشريعات استثنائية
- إننا أمام ظروف استثنائية حيث تؤدي الأزمة إلى تغيير مفاجئ في هيكلية مصفوفة المسؤوليات والصلاحيات واتخاذ القرارات
- كل الأزمات تستلزم جهوداً في إدارتها كما تحتاج إلى مقومات لنجاحها وإلى منظومة تشريعية لممارستها
-  ما لمسناه من جهود جبارة من مؤسسات الدولة بقطاعيها العام والخاص انعكس إيجاباً على احتواء انتشار الفيروس وتراجع مرتبة الكويت على مستوى العالم في عدد الإصابات دلالة على نجاح تلك الجهود
-  التأخر في اتخاذ القرار غالباً ما تكون نتيجته كارثية ما يستلزم ضرورة تبسيط الإجراءات لتكون قادرة على التعامل مع الموقف في التوقيت المناسب
-  هل المنظومة التشريعية في الدولة مهيأة بالكامل للتعامل مع إدارة الأزمات؟
-  هل أنظمة الدولة المالية والمحاسبية مهيأة للتعامل مع مسألة المساهمات المقدمة حالياً سواء بتسلمها أو توريدها للخزانة العامة للدولة؟
بقلم بدر مشاري الحماد
نائب رئيس جهاز المراقبين الماليين بالوكالة (سابقا)
[email protected]
لا يخفى على كل متابع لسير أحداث انتشار فيروس «كورونا» الإجراءات التي تتخذها البلدان التي طالها هذا الفيروس والتي تزيد على 150 دولة في مواجهة تبعات هذا الانتشار، وقد وصفت منظمة الصحة العالمية تفشي هذا الفيروس بالوباء الجائح بسبب سرعة انتشار العدوى ونطاقه، والتخوف من القصور في اتخاذ الإجراءات اللازمة من بعض الدول للسيطرة على هذا الانتشار للفيروس.
لذا، تأتي أهمية إدارة الأزمات في مثل تلك الظروف التي تستلزم أن تكون لدى الدولة استعدادات كافية لما هو غير متوقع والتعامل مع ما قد يحدث من أحداث غير متوقعة. وللأزمات درجات، منها ما هي منخفضة الحدة، على سبيل المثال ما حدث في الكويت ككارثة الأمطار والسيول وانقطاع الكهرباء على مستوى واسع، ومنها ما هو عالي الحدة مثل أزمة الغزو العراقي الغاشم والأزمة الحالية المتمثلة بانتشار فيروس «كورونا».
وكما نعلم أن كل الأزمات تستلزم جهودا في إدارتها، كما تحتاج الى مقومات لنجاحها وإلى منظومة تشريعية لممارستها، فجهود إدارات ومؤسسات الدولة في غاية الأهمية لنجاح إدارة الأزمات، وتمتد تلك الجهود الى دعم ومساندة من مؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص وكل فرد من أفراد المجتمع، فتكامل الجهود في غاية الأهمية في إدارة الأزمات، وبغض النظر عن السلبيات التي تطرح هنا وهناك وقد يكون جزء منها مستحقا لكن ما لمسناه من جهود جبارة من مؤسسات الدولة بقطاعيها العام والخاص انعكس إيجابا على احتواء انتشار الفيروس، ولعل تراجع مرتبة الكويت على مستوى العالم في عدد الإصابات منذ انتشاره دلالة على نجاح تلك الجهود.
وبالنسبة لمقومات إدارة الأزمات، فإننا أمام ظروف استثنائية، حيث تؤدي الأزمة الى تغيير مفاجئ في هيكلية مصفوفة المسؤوليات والصلاحيات واتخاذ القرارات، والتي تتجاوز الإجراءات المعتادة للمسؤوليات والصلاحيات المعتادة لتكون ملائمة للظروف الاستثنائية، كما أنها تدار من مجموعة تتميز بقدرة إدارية ذات كفاءة ومهنية عالية ومؤهلة للعمل في مثل تلك الظروف لتكون قادرة على تقليل المخاطر والخسائر، لذلك نرى الآن إدارة الدولة لأزمة تداعيات انتشار فيروس «كورونا» اختلفت عن إدارة الدولة في الظروف الاعتيادية، فنرى مجلس الوزراء جلساته بانعقاد دائم، وهناك فريق عمل لديه كل الصلاحيات والمسؤوليات للتعامل مع الأزمة، كما هو قادر على التعامل إعلاميا مع الأزمة من حيث ضخ المعلومات والأخبار بشكل يسير ومتاح في جميع وسائل التواصل الاجتماعي، كما أن الفريق يقوم بدور تنسيقي مع السلطة التشريعية من خلال اللقاءات التنسيقية الدورية فيما بينهم.
أما فيما يتعلق بالمنظومة التشريعية لممارسة إدارة الأزمات، فإننا نراها في غاية الأهمية لأنه غالبا ما تصطدم إدارة الأزمات بالمنظومة التشريعية التي تعمل من خلالها، فبما أن إدارة الأزمات تعتبر إدارة استثنائية أو ما يطلق عليها البعض مصطلح الإدارة بالاستثناء فإنها تستلزم أيضا تشريعات استثنائية، فلا يمكن إخضاع الأزمة للتعامل بنفس الإجراءات الاعتيادية، لأن الأزمات عادة ما تكون حادة وعنيفة وذات كلفة عالية بشرية ومالية، وتكون في وقت حرج، فالتأخر في اتخاذ القرار غالبا ما تكون نتيجته كارثية، ما يستلزم ضرورة تبسيط الإجراءات لتكون قادرة على التعامل مع الموقف في التوقيت المناسب.
فــهـــــل المنــــظــومــة التشريعية بالدولة مهيأة بالكامل للتعامل مع إدارة الأزمات؟ ففي رأيي أنه على الرغــم مــــن التجارب السابقة للدولة في التعامل مع الأزمات، إلا انه لم تتم تهيئة البيئة التشريعية بشكل مناسب لتساعد في إدارة الأزمات، وعلى وجه التحديد التشريعات المنظمة للشؤون المالية والتي تعتبر ركيزة أساسية في إدارة الأزمات، وذلك إما بسبب قِدم تلك التشريعات وإما بسبب عدم مراعاتها لإدارة الأزمات أو إما لعدم تناولها بالشكل المطلوب.
فالمرسوم بقانون رقم 31 لسنة 1978 بشأن قواعد إعداد الميزانيات العامة والرقابة على تنفيذها والذي يعتبر من أهم التشريعات المالية بالدولة، فالمرسوم لم يراع في أحكامه ما يتعلق بإجراءات استثنائية تتناسب مع الأزمات أو الحالات الطارئة، فحتى الأحكام المتعلقة بطلب فتح اعتمادات إضافة فإجراءاتها طويلة لا تتلاءم مع الظروف الطارئة، حيث مضى على صدور هذا المرسوم أكثر من 40 عاما، فهو غير ملائم في مثل هذه الحالات.
وكذلك القانون رقم 30 لسنة 1964 بشأن ديوان المحاسبة وتعديلاته، فهو أيضا لم يراع في أحكامه ما يتعلق بإجراءات استثنائية تتناسب مع الأزمات أو الحالات الطارئة، فهو غير ملائم في مثل هذه الحالات.
أما القانون 49 لسنة 2016 بشأن المناقصات العامة وتعديلاته، فإنه على الرغم من أن القانون عالج جانبا مهماً يتعلق بالحالات الطارئة نتيجة ظروف غير متوقعة والكوارث، حيث سمح القانون بحدود نصاب الجهاز المركزي للمناقصات للجهات والمؤسسات الحكومية باتخاذ إجراءات أولية ويتم إخطار الجهاز بها مع المستندات والمسوغات، إلا أن القانون ألزم مجلس إدارة الجهاز المركزي للمناقصات بأن يقوم بالبت في تلك الحالات مع مراعاة الاستعجال بها، وهذا الإلزام بالرجوع لمجلس إدارة الجهاز لا يتناسب ومقومات إدارة الأزمات. وبالنسبة للإجراءات المتعلقة بالشراء وتوفير الخدمات التي تقل عن نصاب الجهاز، فالقانون لم يجز أو ينظم الحالات الطارئة للجهات والمؤسسات الحكومية نتيجة ظروف غير متوقعة والكوارث، حيث سمح القانون بأن تتولى وزارة المالية إصدار التعليمات بما لا يتعارض مع القانون.
من جانب آخر، فيما يتعلق بالمبادرات التي تتقدم بها مؤسسات القطاع الخاص والأفراد من مساهمات نقدية وعينية انطلاقات من الإحساس بالمواطنة وروح المسؤولية المشتركة والتي لمسناها بكل فخر واعتزاز في هذه الأزمة، وهي ليست بغريبة على الكويتيين فهم دائما سبّاقون في مثل هذه المواقف، فهذا أصل معدنهم، فالكل حاليا سخر ويسخر إمكاناته المالية والعينية تحت تصرف الدولة لمواجهة هذا الوباء.
لكن من الملاحظ أن تلك المساهمات بأنواعها لم تنظمها التشريعات العامة في الدولة سواء بقبولها أو التصرف فيها، وإن كان هناك بعض التشريعات التي تنظم بعض الهيئات والمؤسسات الحكومية قد نظمت تلك المسألة وفي نطاق ضيق، وعليه كيف سيتم التعامل مع تلك المسألة في ظل عدم وجود تشريعات تنظم مسألة التبرعات العينية والنقدية؟ علما أن دليل الحسابات بتصنيف الميزانية الصادر بتعميم وزارة المالية قد عرف مثل تلك المساهمات بالتحويلات الطوعية سواء أكانت جارية أو رأسمالية باعتبارها إيرادات عامة للدولة والتي تشتمل التحويلات الجارية والرأسمالية المقدمة الى الحكومة لتمويل نفقات جارية أو رأسمالية.
فهل أنظمة الدولة المالية والمحاسبية مهيأة للتعامل مع مسألة المساهمات المقدمة حاليا سواء بتسلمها أو توريدها للخزانة العامة للدولة، وتخصيص ما يقابلها كاعتمادات في الميزانية لمواجهة أوجه صرفها؟ هذا ما يستوجب معالجته حاليا في ظل وجود فراغ تشريعي في هذه المسألة.