- أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة يرون الصورة أكثر قتامة وسوداوية في ظل الأزمة الحالية
- 90 % من الموظفين الحكوميين يشعرون بأنهم بمنأى عن الأزمة.. اقتصادياً
- عدم إيقاف الفيروس سريعاً سيصيب قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة في مقتل
- أي شركة صغيرة بها موظف كويتي واحد على الأقل تستوجب الدعم والمساندة من الحكومة
- أصحاب المبادرات والابتكارات حجر أساس الاقتصاد وخروجهم من السوق مبكراً ضربة للمستقبل
- غياب المشروعات الصغيرة يعني سيطرة الكيانات التجارية الكبرى على السوق وانعدام المنافسة
- المشاريع الصغيرة تمثل مصلحة مباشرة للمواطن وإن لم يكن شريكاً أو عاملاً فيها
ذكــــــر مركـــز ريكونســـنس للبحــوث والدراسات أنه حتى الآن ورغم التداعيات الاقتصادية الدولية الناجمة عن انتشار فيروس كورونا، الا أن اغلب الكويتيين مازالوا يشعرون بأنهم بمنأى عن تلك الأزمة، اقتصاديا على الأقل، ويعود ذلك الشعور إلى ما يقرب من 90% من العاملين بها وهم موظفون حكوميون بالأساس، وهذه الحقيقة تجعلهم بمعزل عن التأثر المباشر بأي أزمة اقتصادية عالمية أو نزول في أسعار النفط لأنهم يتمتعون بمزية تقاضي رواتبهم بانتظام دون نقص أو تأخير، لكن المتضررين الحقيقيين هم الكويتيون أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة، هؤلاء هم من يرون الصورة اكثر قتامة وسوداوية.
وأضاف المركز في ورقة عمل بعنوان: «دور الحكومة تجاه المشروعات الصغيرة والمتوسطة واثره على المواطن» والتي أشرف عليها كبير مستشاري المركز غريغ ج.ستيفنز أن المؤشرات تنبئ بأنه إن استمرت الأمور تتسارع بهذه الوتيرة عالميا ولم ينجح العلماء في إيجاد حل سريع لإيقاف الفيروس الجديد، فإن تأثير ذلك الركود العام سيصيب قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة بالكويت في مقتل، وستغلق على أثره كثير من تلك المشاريع، وهو ما يعتبر أزمة حقيقية لحاضر ومستقبل الاقتصاد الكويتي، أزمة تستوجب تحرك الدولة لإنقاذ ذلك القطاع، ويبدو أن الحكومة الكويتية وكما تفوقت بجانب الرعاية الصحية، تسعى الآن لتدارك تأثيرات الأزمة الاقتصادية بذات الثقة والسرعة والقوة.
وأشار إلى أن إنقاذ قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة يعني القطاع كله، وليس فقط تلك المشاريع التي تشملها مظلة الصندوق الوطني، فأي شركة صغيرة بها موظف كويتي واحد على الأقل، تستوجب الدعم والمساندة من الحكومة الكويتية حتى تمر تلك الأزمة بسلام.
وأوضح المركز أن الحكومة الكويتية تدرك ان توقف تلك المشروعات عن العمل يعني أن المئات وربما الآلاف من الكويتيين سوف يفقدون مصدر دخلهم فجأة، ولن يتمكنوا من إعالة أسرهم أو توفير حياة كريمة لذويهم، والنقطة المستقبلية المهمة أيضا أن ذلك القطاع يحتوى على نسبة ليست بالهينة من الشباب أصحاب المبادرات والابتكارات الذين يعتبرون حجر أساس مستقبل الكويت الاقتصادي، وخروجهم من السوق مبكرا هو ضربة للمستقبل.
وفي هذا الاطار، قام مركز ريكونسنس للبحوث والدراسات بإجراء استبيان على عينة عشوائية للكشف عن موقف الشارع الكويتي من قرار دعم ذلك القطاع، فكانت النتيجة أن النسبة الأكبر رفضت دعمه، وهؤلاء الرافضون تركزت تحفظاتهم في نقطتين رئيسيتين:
الأولى: طبيعة الأعمال التجارية هي الربح والخسارة، وعلى أصحاب الأعمال التعامل مع آثار تلك المخاطر، ومثلما كسب الكثير منهم الأرباح، فهناك أيضا من خسر المال وفشل.
فالشركات الصغيرة والمتوسطة - كما يقولون - يجب أن تكون مسؤولة وحدها أمام التحديات الاقتصادية كأي كيان آخر. ويجب أن يتحمل أصحابها وحدهم الخسائر.
والثانية: أن الكويت لا تفرض ضريبة، ولا توجد استفادة مباشرة للدولة من الشركات الصغيرة والمتوسطة، ونظرا لأن الحكومة لم تتلق منهم أي إيرادات، فليس عليها اذن أي التزام بمساعدتهم الآن.
ورأى المركز أن هذه الأسباب رغم انها تبدو للوهلة الأولى منطقية للبعض، إلا أنها تغفل جوانب مهمة من الصورة الكلية للاقتصاد الكويتي.
فمبدئيا يمكننا أن نتفق جميعا على أن الكويت ليست مجرد مبان وحدائق وجسور. الكويت هي الشعب وليس أشياؤها الجامدة. وحصر الحديث على السلع والخدمات يفرغ الوطن من مضمونه وهو المواطن.
وشدد على أن إنقاذ الكويت في هذه الأزمة يتطلب تكاتف الجميع لمنع الخراب وما سيصحبه من آثار سلبية تمس الجميع وليس فقط الكويتيين أصحاب هذه المشروعات التجارية.
فدعم ذلك القطاع هو في الأساس دعم للكويت، وخروج كل تلك الشركات والمحال الصغيرة من السوق سيؤثر سلبا وبشكل قوي على جميع المواطنين ليس أصحاب العمل فحسب، لذا فإن توجه الحكومة الكويتية ومن منطلق اقتصادي واستراتيجي بتوفير خطة إنقاذ اقتصادي يعتبر مؤشرا إيجابيا ينصب في صالح جهود تحسين بيئة الأعمال والمصلحة العامة.
وتساءل المركز عن أهمية هذا القطاع ولماذا يجب حمايته من الانهيار، والسعي لدعم الجهود الحكومية المبذولة تجاه هذا المسار؟، موضحا أن هذا القطاع بالرغم من كونه يحتاج الى رأسمال صغير للتدشين، إلا أنه قادر على خلق فرص عمل كثيرة للعمالة الماهرة وغير الماهرة، فضلا عن أن نسبة المخاطرة فيه محدودة نسبيا مقارنة بالمشاريع ذات الميزانية الضخمة، والأهم هنا انه في حالة الكويت تحديدا، ذلك القطاع يمثل مدخلا رائعا للشباب الواعد صاحب المبادرات والأفكار الحديثة التي تعد فرصة الكويت فيها الأبرز لخلق مصادر مستقبلية بديلة للدخل القومي يمكنها أن تحل محل الاعتماد الحالي التام على النفط.
أما بالنسبة للحجة القائلة بأن الحكومة ليست مسؤولة عن إنقاذ الشركات الصغيرة والمتوسطة، فقد تبدو مقنعة للوهلة الأولى في الظروف الطبيعية، لكننا هنا نتحدث عن أزمة عالمية وتوابعها الاقتصادية تمثل حالة طارئة واستثنائية، تلك التوابع التي أجبرت كبرى البلدان الرأسمالية في أوروبا وأميركا الشمالية إلى اللجوء لحلول حكومية بعيدة بالأساس عن خطها الاستراتيجي العام، وهو ما نعتقد في «مركز ريكونسنس» انه النهج الذي سوف تتبعه حكومة الكويت، وهذا لا يعني اعتماد دائم من أصحاب تلك المشاريع على الحكومة، ولكن فقط لحين تجاوز الأزمة العالمية، لمنع انهيار ذلك القطاع.
وقال إن وجود تلك المشاريع يمثل مصلحة مباشرة للمواطن الكويتي أيضا وإن لم يكن شريكا أو عاملا في أي من هذه المشاريع، ودون أن يشعر، فغيابها - من منظور اقتصادي - يعني ببساطة سيطرة الكيانات التجارية الكبرى على السوق بما يمثله ذلك من احتكار للسلع والخدمات، وما يترتب عليه من ارتفاع مباشر في أسعار الخدمات مثل المطاعم وسوق الإعلانات وورش خدمات السيارات والسفريات، وحضانات الأطفال.. وغيرها الكثير وهي الفاتورة التي سوف يدفعها المواطن الكويتي بالأخير من جيبه الخاص، معتبرا أن المعادلة ببساطة إما أن تدعم الدولة المشروعات الصغيرة والمتوسطة على تجاوز تلك العاصفة، أو أن آفاق الكويت الاقتصادية والاجتماعية ستزداد سوءا، وسيكون جيب المواطن الكويتي هو الضحية الاولى.
مع انعدام المنافسة، وترك فراغات في عدة قطاعات تعين على ظهور تبعات سلبية تمس الكل بدون استثناء.
دعم الكويت للمشاريع الصغيرة
قال مركز «ريكونسنس» أن تحرك الكويت الواضح صوب دعم قطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة هو ليس تغريدا خارج السرب الدولي، فدول عدة سارت في ذلك المسار. على سبيل المثال أعلن الرئيس الفرنسي ماكرون عن «خطة تعافي وطني» تشمل تعويض نقدي عاجل للشركات الصغيرة لحمايتها من الإفلاس مع تحمل رواتب من أغلقوا أنشطتهم، ورئيس الحكومة البريطانية بوريس جونسون اعلن عن حزمة مالية بقيمة مليار جنيه استرليني لدعم الشركات وأصحاب المشروعات المنزلية.
واضاف المركز انه اذا كانت لندن وباريس غير الكويت، وهذا صحيح بالقطع فمن المؤكد التشابه مع الإمارات والسعودية، فها هي مؤسسة النقد العربي السعودي تعلن عن برنامج قيمته 50 مليار ريال لدعم قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وهو ما كررته الإمارات حين أعلن مصرف الإمارات المركزي عن خطة اقتصادية بحجم 100 مليار درهم لدعم البنوك والمؤسسات المالية والشركات، وقد اتخذت المغرب وقطر تدابير مماثلة.
واكد المركز أن الجهود الكبيرة التي تبذلها الحكومة الكويتية للتخفيف من آثار انتشار كورونا من الناحية الصحية واضحة للجميع وأتت لها بثناء وتقدير عالمي، لكن في ضوء اللحظة الحالية أصبح من الحتمي على الحكومة الكويتية -ليس فقط- العمل على إنقاذ قطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة، بل محاولة السعي لشرح أهمية هذا العمل لعموم الكويتيين الذين يبدو ومن خلال الاستبيان، لا يتفهمون أهمية هذا القطاع. وهو ما نثق بان حكومة الكويت ستفعله.