يسرد لنا التاريخ بصفته أفضل المعلمين أن المجتمعات والدول التي تنجو من الآفات والحروب والكوارث والأوبئة هي الشعوب الأكثر تضامنا والمستعدة لأسوأ الاحتمالات وأفظعها.
وبالنظر الى بلدنا الكويت والذي يهوى مواطنوه السفر واكتشاف ثقافات أخرى، وبما يضمه من جاليات كثيرة ومتنوعة تستقر على أرضه الطيبة، والتي تفوق تعداد المواطنين بثلاث مرات، وفي ظل هذه البيئة التي يغلب عليها طابع السفر والتنقل والتي تسهم بشكل أكبر في نقل الفيروس الذي اجتاح العالم خلال الأشهر القليلة الماضية (كوفيد ـ 19)، باعتباره «فيروس دخيل»، لا يمكن ابدا أن يصل الى البلد الا من الخارج.
وعلى الرغم من ذلك، فإن الحكومة الكويتية قد نجحت في تطويق الفيروس وتحجيم انتشاره عن طريق حزمة الإجراءات القوية التي اتخذتها الحكومة، والتي أسهمت بشكل إيجابي في معالجة الإشكالية وتخفيف الآثار السلبية مع توفير المعدات والمستلزمات الضرورية لاستمرار الحياة الاجتماعية بشكل طبيعي، وهو ما جعل منظمة الصحة العالمية تعترف بالمجهودات المنجزة وتضع بلدنا الكويت على رأس قائمة الدول الأكثر فاعلية في التعامل مع الازمة الصحية العالمية.
وإذ نثمن ما قامت به الحكومة من إنجازات مهمة، فإننا ندعوها في المقابل للانتقال الى المرحلة الثانية من حزمة الإجراءات حتى لا نتورط لا قدر الله في أمور لا تحمد عقباها، خصوصا أن التحدي الذي واجه الدول المتقدمة في التعاطي مع الوباء هو قلة الأسرة الطبية وضعف المؤسسات الصحية أمام تكاثر المصابين والذين وصلوا الى الآلاف، حيث كانت النتيجة في الأخير هو انهيار المنظومة الصحية، كما حدث في إيطاليا واسبانيا وإيران، والاضطرار الى الدخول الى مرحلة الانتقائية في علاج المصابين.
من جهة أخرى، فقد كشفت هذه الازمة الصحية عن المعدن الأصيل للشباب والشابات الكويتيين، ومن يقيم على هذه الأرض الطيبة من إخواننا غير محددي الجنسية والوافدين، والذين سارعوا للتطوع من أجل التخفيف من آثار هذه الجائحة الطبية، سواء في مجال الإسعافات أو طرق الوقاية أو في توزيع المساعدات والتوصيل، مشكلين بذلك حلقة متينة من التضامن والاخوة، وهو في نظرنا ما يجب أن تستغله الحكومة في تشجيع العمل التطوعي بل واحتضانه بالشراكة مع مؤسسات المجتمع المدني والهيئات الخيرية والاغاثية، وكذلك مؤسسات الدولة من جيش وصحة ومطافئ، بحيث تنتشل الحكومة الشباب من فائض وقت الفراغ في ظل هذه الازمة والذي يمكن أن يكون سببا لتعاطي المخدرات والخمور والممنوعات، أو بممارسة عادات سيئة، وتدعمهم بالانخراط في العمل التطوعي، بل يمكن كذلك أن تنشئ معسكرات للتدريب على الإسعافات الأولية برعاية من أجهزة الدولة المعنية، تعلمهم أساليب المساعدة والبقاء والتعامل مع الازمات بصفة عامة، حيث سنكون هنا أمام تطوع مؤسسي ومدروس وليس تطوعا انسانيا قد يجهل بأساليب المساعدة، وقد يسهم في تأزيم الوضع بدل التخفيف منه، لان التطوع بالأول والأخير هو علم وأسلوب وفن وقدرة.
لذلك فاحتضان المتطوعين هو مكسب متبادل للشباب والشابات وللدولة، فالمتطوعون يكسبون مهارات الإغاثة الإنسانية والصحية والدولة تكسب جيلا مثقفا يعتمد عليه عند الازمات.
كما لا يفوتني التنويه الى ضرورة الالتفات الى مجهودات غير محددي الجنسية من أصحاب الشهادات العليا والأطباء والعاملين في القطاعات الأمنية، ممن يحاربون هذا الوباء ويعرضون أنفسهم للخطر مقابل سلامة المجتمع، وكمكافأة لذلك يجب النظر بجدية بعد انتهاء الازمة بإذن الله الى تجنيسهم وفق ما نصت علية المادة الخامسة من المرسوم الأميري رقم 15 لسنة 1959 بقانون الجنسية الكويتي، حيث يجنس من أدى لإمارة الكويت خدمات جليلة عادت على البلاد بنفع كبير.
ولا نجد خدمة جليلة أكثر من حماية أرواح الناس.
حفظ الله الكويت قيادة وحكومة وشعبا من شر الأوبئة وآثارها.
والله من وراء القصد،،