إن الكلام عن هذه الشخصية الفذة أمر صعب جدا، فهذه الشخصية بحر لا ساحل له، لما اتصفت به من خصال كريمة يندر أن تجتمع في شخص واحد، هذه الشخصية التي عاصرتها وعايشتها قرابة ثلاثين عاما، وتركت بصمتها على شخصيتي، وأثرت في حياتي أيما تأثير، ولست أستطيع أن خرج من فضلها، مهما عملت وكتبت وشكرت، فجزاه الله خير الجزاء. لقد تعلمت الكثير الكثير من الصفات الجميلة، فهو مدرسة كاملة في التربية والتوجيه والإدارة والهمة العالية وحب الخير والولاء الوطني والحنو والشفقة على أمة محمد صلى الله عليه وسلم عامة ومجتمعه خاصة. وأولى تلك الخصال شدة الإخلاص والصدق مع الله، ومعاني التجرد، والعمل المتواصل، فكان لا يكد ولا يمل، يكره الأضواء، يحب الإنجاز ويفرح به، وكل هذا لا يتقاضى عليه فلسا واحدا، بل ينفق مما في جيبه تبرعا وتطوعا، وتكاليف السفر والمصروفات التشغيلية في تحركاته وتنقلاته، كما أنه كان يمتاز بالروح المفعمة بالحب ولا يعرف الكره والحقد، ويسامح ويتسامح مع كل من يحاول أن يسيء له، لذا فقد حظي باحترام الجميع من شرائح المجتمع، فالكل يقدره والكل يحترمه. ولعب أدوارا رئيسية متعددة مع المشاكل الكبيرة والصغيرة، فكان بمنزلة صمام أمان للمجتمع ووحدته. وهذه المواقف كثيرة ابان الغزو الغاشم على الكويت وقبله وبعده. بل كان يصلح بين الشباب والتيارات الإسلامية بروح الأب للجميع، فهو لم يعرف الحزبية، بل كان يكرهها ويحاربها، وكان يصبر ويتحمل المشاق وهو يجول ويصول في مجاهل آسيا وغابات أفريقيا وغيرها، وكل ذلك بهمة كبيرة رغم كبر سنه، مما كان يحرجنا معه ونحن في أوج شبابنا. هذا مع ما كان يتمتع به من أفق واسع في رؤية الأمور والتعامل معها، فقد كان شديد الذكاء ذا ذاكرة فولاذية، يعرف الأشخاص وميزاتهم وتاريخهم ويعرف المراكز الإسلامية وظروف البلدان السياسية والاقتصادية، لذا كانت خطواته مدروسة ومتدرجة، مما جعل الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية بعيدة عن الشبهات أو القيل والقال، رغم محاولات البعض الكيد للهيئة في بعض مناطق العمل. ومع هذه الخصال والعمل ومتطلباته فقد كان رمزا ربانيا في العبادة، فمن كان يقترب منه كان يعرف كم هو عابد ومتبتل، ففي السفر والتنقل والتعب والإرهاق لا يفوته قيام الثلث الأخير من الليل، ولا ليلة تفوته، هذا مع فقهه الشرعي والتزامه التام بالحكم الشرعي، وكان يأخذ بالأحوط حتى لو كانت أقوال العلماء فيه سبعة، لذا كان حريصا على الأموال الخيرية وكان دقيقا في متابعة الإنفاق، صغيره وكبيره، وكان يحاسب من يصرف شيئا في غير محله بشكل صحيح.
رحم الله والدنا الفاضل يوسف الحجي رحمة واسعة وغفر لنا إن لم نوفه حقه على الأقل في كتابة بعض سيرته، والتي هي غذاء للأجيال ومشعل منير لكل العاملين في الحقل الخيري.