في أول يوم دوام لي كأستاذ جامعي في جامعة الكويت، لمحت في الممر الذي يطل عليه مكتبي د.شملان العيسى قادما في طريقه إلى مكتبه، فوقفت وانتظرته حتى أتى وسلمت عليه مقبّلا رأسه، وسألني أنت صاحب هذا المكتب؟ قلت له نعم أنا ناصر المجيبل، فردّ: رفيج يوسف؟ قلت: له نعم.
هذا كان أول لقاء مع د.شملان العيسى وصادف أن محاضراتنا كانت في الوقت نفسه. فأصبح يحرص على القدوم إلى مكتبي كل يوم وأحضر له الشاي وشيئا من الحلويات، وكان دائما ما يمازحني قائلا «لا تعلم يوسف أني آكل بسكوت عندك راح يزعل لأن فيني سكر».
فتتابعت اللقاءات التي جمعتني به حتى تعرفت من خلالها أكثر على الدكتور شملان العيسى، ليس كاتب المقال أو المحلل السياسي الذي يراه أغلب الناس من خلال شاشة التلفاز، بل الإنسان المتواضع البسيط الذي لا يكترث باختيار كلمات منمقة للتعبير عن أفكاره خشية الرأي العام أو الجمهور. د.شملان العيسى لم يكن نجما فيخشى انقلاب الجماهير عليه، بل كان مؤثرا يدفع للتغير غير آبه بغير التعبير عن نفسه.
استغرب بعض الناس مدى تأثري بوفاة د.شملان العيسى رغم فارق السن أو المعرفة القريبة. لكن الحقيقة أنني لا أفتقده بجسده فقط، لكنه بالنسبة إلي كان يجسد صفاء النية وطيبة القلب وصراحة اللسان في رجل واحد في وقت أصبح من النادر أن تلتقي بمن يحمل هذه الميزات.
شملان العيسى كان هو الشخص الذي إذا تعرفت عليه لن تخشاه في يوم من الأيام. هو الرجل الذي لا تخشى تقلبه عليك إن انقلب الزمان عليك، هو الإنسان الذي تجده بجانبك قبل أن تتوقع وجوده، هو ذلك الصديق الذي لو رمى عليك ناصحا أقسى العبارات لوقفت وقبلت رأسه لأنك في ذلك الحين تعرف كم يهتم لأمرك.
هو الإنسان الذي لا يأبه بأن يخسر الجميع من أجل أن يقول كلمة حق. لم يكن عنصريا ولا طائفيا ولا متحزبا لرأيه، لم يسأل يوما عن عائلتي أو انتمائي أو خلفيتي الثقافية، كانت كلمته واحده لي ولغيري، «هذا يحب الكويت».
عشق التدريس الجامعي حتى أنه قاوم المرض الخبيث 13 عاما مستمرا في عمله ومازلت أتذكر قسوة وقع قرار الإحالة إلى التقاعد قبل عام على نفسه، لكنه لم يلجأ لنفوذ أو واسطة للتجديد له بعد تعديه السن القانونية فقبل الأمر.
لم اأستغرب أن يرحل عن هذه الحياة ولم يترك ويصنع لنفسه مالا ولا جاها سوى محبة من عرفه له، كوالده الشيخ يوسف بن عيسى القناعي الذي مازال أحفاده ينعمون بأثره الطيب وصيته الكريم لا ماله ولا جاهه.
سأفتقد «ريوق» الشملان بن يوسف وعزائي أن اللقاء قريب عند الحبيب.
رحمه الله وغفر لنا وله وجمعنا به في الفردوس الأعلى.