- غاية الإصلاح قد يكتنفها الغموض والضبابية أحياناً بسبب عوامل تحيط بالبيئة كالواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي
- نجاح الإصلاح مرهون بالتوافق الكامل حول مفهومه كمبتغى وهدف حقيقي بين كل الأطراف ذات الصلة وخصوصاً الحكومي
- إذا اتُّخِذ الإصلاح وسيلة لتحقيق مكاسب فئوية.. فأي جهود في محاولات تحقيقه ستكون هدراً للجهد والوقت والمال
- الإصلاحات تتطلب إمكانات بشرية ذات خبرات عالية وإلمام كبير بالبيئة ومؤمنة بعملها وقادرة على التنفيذ الواضح
إن الإصلاح بكل صوره سواء كان سياسيا او ماليا او اقتصاديا غاية منشودة، والإصلاح مبتغى كل منظومة إدارية سواء كان ذلك على مستوى الدولة او على مستوى الأجهزة الحكومية وغير الحكومية، بل ويطول الإصلاح غايته مستوى الاسرة.
وتتعدد أسباب الرغبة في الإصلاح، وقد تكون هذه الرغبة بهدف تطوير الاعمال الى ما هو أفضل كتقديم خدمات وتسهيلات لمتلقي تلك الخدمات، وقد تكون بهدف الحفاظ على موقع الصدارة في ظل وجود بيئة تنافسية، وقد يكون الهدف منها تحقيق مزيد من المكاسب المالية او غيرها.
وفي حقيقة الامر فإن الإصلاح كغاية قد يكتنفها الغموض والضبابية احيانا بسبب عدة عوامل تحيط بالبيئة التي تعنى بعملية الإصلاح، فالواقع السياسي على سبيل المثال قد يؤثر سلبا او إيجابا على نتائج العملية الإصلاحية، كما هو الحال الواقع الاقتصادي او الاجتماعي. فعلى سبيل المثال، الكويت تتمتع بقدر كبير من الديموقراطية وهي حالة قد تكون فريدة من نوعها في المنطقة، ونتلمس كيف يكون الواقع السياسي ذا اثر لأي عملية إصلاحية بغض النظر عن ان كان هذا الأثر إيجابيا ام سلبيا، فكون البيئة السياسية في الكويت تمثل خليطا من الاتجاهات السياسية، فان لهذا الخليط انعكاسا على مفهوم الإصلاح وأدواته وأسلوب تنفيذه، هذا مع الأخذ بعين الاعتبار الاتجاه الأساسي في هذا الخليط ويتمثل في الاتجاه الحكومي الذي هو في حقيقة الأمر من يملك زمام الأمور كونها السلطة التنفيذية، آخذين في الاعتبار التكامل في الأدوار بين الاتجاهات السياسية لا التنازل عنها، ولعل الدستور الكويت قد رسم هذا المسار بكل وضوح فنصت المادة 50 منه على أن يقوم نظام الحكم على أساس فصل السلطات مع تعاونها وفقا لأحكام الدستور ولا يجوز لأي سلطة منها النزول عن كل أو بعض اختصاصها المنصوص عليه في هذا الدستور.
فإذا ما كان هناك توافق كامل لمفهوم الإصلاح كمبتغى وهدف حقيقي بين كل الأطراف ذات الصلة وعلى وجه التحديد الجانب الحكومي، فلا بد ان يكتب لعملية الإصلاح النجاح لأن غاية تلك الأطراف واحدة وان تعددت مشاربهم، لكن إذا كانت العملية الإصلاحية وسيلة لتحقيق مكاسب فئوية فمهما بذلت من جهود في هذا الجانب فلا يمكن ان يتم تحقيق أي نجاحات في العملية الاصلاحية، وان أي جهود في هذا الاتجاه ستكون هدرا للجهد والوقت والمال، وهذا المفهوم يسري على مستوى مؤسسات القطاعين العام والخاص.
ومن واقع محاولات الإصلاح المتعددة التي قدمت على مدى عقود من الزمن، سنصل الى نتيجة بأن العملية الإصلاحية بأنواعها تمر بتحديات عديدة أشبه في بعض الأحيان بمرحلة مخاض نظرا لصعوبة البيئة التي تعمل فيها، فالكثير من المبادرات الإصلاحية وعلى وجه التحديد الإصلاحات الاقتصادية والمالية لم يكتب لها النجاح، وإذا كانت هناك نجاحات فهي تعتبر نسبية ولا تتم بالشكل المأمول لسبب رئيسي وهو عدم وجود توافق بين الأطراف ذات الصلة.
أما فيما يتعلق بكيفية تنفيذ تلك الإصلاحات اذا ما تم الاتفاق عليها، فهناك نماذج متعددة في وسائل الاصلاحات وذلك نظرا لتعدد مدارسها في مسألة كيفية تنفيذها، هناك من يستخدم نموذجه الخاص في التنفيذ من باب المثل القائل «أهل مكة أدرى بشعابها»، وهناك من يستخدم نماذج عالمية، والآخر يقوم بالمزج بين هذا وذاك لخلق نموذج يراعي البيئة التي سيتم تنفيذ الإصلاحات فيها.
ولتحقيق تلك الإصلاحات فإن الامر يتطلب في كل الأحوال وجود إمكانات بشرية ذات خبرات عالية وذات إلمام كبير بالبيئة التي تعمل فيها، على ان تكون مؤمنة بعملها وقادرة على تنفيذ مثل تلك الإصلاحات بحيث تكون مساندة للجهود التي تبذل لتحقيق نجاحات ملموسة في هذا الشأن.
طبعا، هناك صراع في بعض الأحيان يكون خفيا وفي بعض الأحيان يكون بالعلن بين المدارس التي يمثلها القائمون على تلك الإصلاحات فيما يتعلق بالاستعانة ببيوت الخبرة سواء كانت على مستوى محلي او عالمي.
وتأتي أهمية طلب الاستشارة سواء كانت من أحد الخبراء أو أحد بيوت الخبرة، في توسيع المدارك وتعدد الخيارات، ولكن في نهاية المطاف يجب ان يكون نصب عينيك أن المستشار لن يتلمس مشاكلك اليومية، ولا يستشعر العقبات التي تراها، فيبقى رأيك وآراء المخلصين من العاملين معك ممن لديهم إيمان قوي بأهمية عملية الإصلاح الفيصل في القرارات، لأن ما يقدمه المستشارون مجرد اقتراحات، ويجب ان تتعامل معها على هذا الأساس، لأنه في النهاية انت الوحيد الذي ستتحمل تبعات هذا القرار سواء كانت النتيجة سلبا أو إيجابا.