دأبت الكويت على تقديم الرعاية الصحية للمواطنين والمقيمين دون مقابل مادي إيمانا منها بضرورة توفير هذه الرعاية للمحافظة على حياة وصحة الفرد في المجتمع، واستمرت مجانية العلاج والرعاية الصحية لزمن طويل، الا أن تطورات ومستجدات عالم الطب أدت الى تعدد وسائل الوقاية والعلاج بالطرق الحديثة والمتطورة، واستتبع ذلك زيادة كبيرة في النفقات والتكاليف الصحية من حيث ارتفاع سعر الأدوية والمعدات والأجهزة الحديثة وأجور الأطباء والممرضين والاستشاريين في فروع الطب المختلفة، هذا فضلا عن ظهور أمراض عديدة وأوبئة جديدة تحتاج الى علاج وتمويل مستمرين لا يتوقفان.
ومن باب تقديم خدمات صحية وطبية افضل تتناسب ومستوى المعيشة في البلاد.
وإزاء الزيادة المطردة في عدد المقيمين في البلاد بما يستوجب معه المحافظة على صحتهم وعلاجهم عند مرضهم حتى شفائهم.
وإزاء الزيادة المستمرة أيضا في تكاليف الخدمات الصحية وقلة الموارد المالية.
والذي كان يعتمد بالمقام الاول ومازال على التمويل الحكومي فقط، وقد أدت النظرة الواقعية والرقابة الموضوعية الى التأكيد بأن عبء تمويل الخدمات الصحية وتوفيرها بات وأصبح اكبر بكثير من ان تتحمله أي دولة أو حكومة.
ولم تعد الدولة تستطيع الاستمرار في تمويل الخدمات الصحية والطبية بالقدر والمستوى المطلوب.
ومن اجل ذلك، اضطرت الدولة الى إيجاد بدائل تمويلية كالتأمين الصحي أو الضمان الصحي أو فرض رسوم على الخدمات الصحية وخصخصة بعض المستشفيات وتوسيع قاعدة مشاركة القطاع الخاص في إنشاء وبناء وتشييد وإدارة المرافق الصحية.
وقد اهتدت الدولة الى تطبيق نظام التأمين الصحي بعد أن ثبت لها ان الرسوم لم تعد تكفي للتغلب على الصعوبات والسلبيات التي تواجهها في تمويل الخدمات الصحية، ورأت بعد دراسات مستفيضة تطبيق نظام التأمين الصحي على المقيمين.
اذ ان مثل هذا النظام يكرس مبدأ التكافل الاجتماعي بين الانسان السليم والانسان المريض بهدف تقديم افضل مستوى من الخدمات والعلاجات الطبية من خلال المشاركة في النفقات الصحية وتشجيع القطاع الاهلي على الاستثمار في قطاع الخدمات الصحية.
وفي سبيل ذلك، صدر القانون رقم 1 لسنة 1999 في شأن التأمين الصحي على الاجانب والمقيمين وفرض رسوم مقابل الخدمات الصحية.
فنص في مادته الاولى على ان «تقدم الخدمات الصحية للاجانب المقيمين في البلاد بنظام التأمين الصحي والضمان الصحي وفقا لأحكام هذا القانون».
ويقصد بالاجانب الاشخاص الذين لديهم إقامة وفق قانون اقامة الاجانب رقم 17 لسنة 1959 بغرض العمل أو الالتحاق بعائل.
أما غير المقيمين من الاجانب كالزائرين أو القادمين أو بغرض السياحة أو في مهمات رسمية أو علمية أو رحلة عمل تجارية أو مهنية أو زيارة مؤقتة، فلا يشملهم نظام التأمين أو الضمان الصحي ويعالجون خلال فترة وجودهم في البلاد لدى المستشفيات والمؤسسات العلاجية الحكومية وفقا لرسوم تكاد تكون مجانية.
وقد قدم بعض أعضاء مجلس الأمة مشروعا سنة 2017 لإضافة الاجانب المقيمين بصفة مؤقتة أو بغرض الزيارة الى نص المادة الاولى.
حيث ثبت استغلال البعض من وجوده في الكويت بصفة مؤقتة للتمتع من مجانية الخدمات الطبية المختلفة التي وصلت حتى الى عمليات جراحية دقيقة وكبيرة كعمليات القلب المفتوح وغيرها التي تكلف إجراؤها وعلاجها وأدويتها الكثير من المبالغ.
وحتى اليوم لم يتم اقرار هذا التعديل والاضافة للأسف الشديد.
ونص هذا القانون في مادته الثانية على انه «لا يجوز منح الإقامة الا بعد الحصول على وثيقة التأمين الصحي أو عقد الضمان الصحي، ويسري هذا الحكم عند تجديد الإقامة، ويلتزم صاحب العمل بسداد أقساط التأمين أو الضمان الصحي ويبطل كل اتفاق يخالف ذلك».
وهذه المادة اكدت ان منح الإقامة أو تجديدها مرتبطان تمام الارتباط بضرورة دخول وخضوع الاجنبي تحت مظلة التأمين أو الضمان الصحي.
فمن دون التأمين أو الضمان الصحي لا إقامة للاجنبي في البلاد ولا تجديد له، ما يعني أن الإقامة ترتبط وجودا وعدما مع الضمان أو التأمين الصحي.
ثم نصت المادة الثالثة من هذا القانون على ان «تتولى شركات التأمين تقديم خدمات التأمين الصحي للأجانب المبين في هذا القانون وفقا للشروط والضوابط التي تضعها وزارة الصحة».
فقد أتاحت هذه المادة لأن تتولى شركات التأمين مسؤولية التأمين أو الضمان الصحي على الاجانب بأن تتقاضى من كل اجنبي مقيم في البلاد رسوم هذا التأمين عند الإقامة أو تجديدها.
فكما ذكرنا ان الإقامة أو تجديدها مرتبطان بدفع رسوم التأمين أو الضمان الصحي.
ثم جاءت المادة الرابعة من هذا القانون لتنص على ان «يغطي التأمين الصحي المنصوص عليه في هذا القانون الخدمات الصحية الاساسية التالية:
1 - الفحص الطبي والعلاج اللازم في العيادات لدى الأطباء العامين والاختصاصيين.
2 - الفحوصات المختبرية والأشعة.
3 - العمليات الجراحية عدا جراحات التجميل.
4 - نفقات العلاج والدواء والإقامة في المستشفيات في الحالات العادية والطارئة.
5 - العلاج العادي للاسنان.
6 -الأدوية.
ويصدر وزير الصحة قرارا بتحديد هذه الخدمات ويجوز للأجنبي ان يؤمن على خدمات صحية أخرى إضافية اختيارية بمقابل إضافي».
ونصت المادة الخامسة من هذا القانون على ان «تحدد قيمة وثيقة التأمين لعلاج المشمولين بنظام التأمين الصحي لدى دور العلاج الحكومية ودور العلاج الاهلية استرشادا بأسعار الخدمات الصحية الاساسية التي يحددها التأمين أو الجهات الاخرى المتعاقد معها مباشرة أو من المرضى».
وهذه المادة اوضحت وبينت كيفية تحديد قيمة وثيقة التأمين لعلاج المشمولين بنظام التأمين الصحي لدى دور العلاج الحكومية بالقياس والاسترشاد بأسعار الخدمات الصحية التي يحددها وزير الصحة العامة.
كما بينت وسيلة وطريقة تحصيل دور العلاج الحكومية من شركات التأمين لقيمة وتكاليف الخدمات الطبية التي قدمتها للاجنبي المقيم، ما يعني ويؤكد ان ما تتكفله وتتكبده المستشفيات الحكومية ودور العلاج والمستوصفات من تكاليف ومصاريف علاج الاجنبي المقيم في البلاد وقيمة أدويته وعملياته الجراحية وغيرها يجب ان تقوم شركات التأمين التي استحصلت على رسوم هذا التأمين أو الضمان بدفعها الى الدولة.
فنظام التأمين أو الضمان الصحي وفق هذا القانون رقم 1 لسنة 1999 يلزم ويوجب على شركات التأمين دفعها الى الحكومة.
وازاء التكاليف الباهظة التي تكبدتها الدولة في توفير العلاج الطبي وتقديم الرعاية الصحية التي قدمتها للاجانب الذين التزموا بدفع رسوم هذا التأمين أو الضمان فإن شركات التأمين التي قبضت هذه الرسوم مدينة للدولة بكل تلك المصاريف وملزمة بدفعها الى الدولة.
واذ تقاعست الدولة وأهملت في السابق من مطالبة شركات التأمين من دفع التزاماتها وتحصيل مستحقاتها وتكاليف العلاج التي قدمتها للاجانب المقيمين وفق هذا القانون.
فإننا اليوم في أزمة وكارثة لا يمكن للدولة ان تتحمل وحدها مصاريف وتكاليف مواجهتها ومكافحتها وعلاجها، خصوصا مع أجانب عددهم اكبر من عدد الكويتيين وقد التزموا بدفع رسوم اقاماتهم ورسوم التأمين أو الضمان الصحي الى تلك الشركات.
لهذا، فقد آن الأوان على تلك الشركات ان تؤدي التزاماتها بدفع تلك التكاليف والمصاريف الى الدولة.
فهناك عقد تأمين ما بين الدولة وشركات التأمين على ان يتمتع الاجنبي المقيم في البلاد «كمؤمن عليه أو مستفيد» بالخدمات الصحية والعلاجية التي تقدمها الدولة في مستشفياتها ومستوصفاتها وذلك بمقابل رسوم يدفعها المقيم عند الإقامة أو تجديدها وعلى ان تلتزم شركات التأمين هذه بدفع تلك المصاريف والتكاليف الى الدولة.
واذا كان من المقرر وفق المادة 196 من القانون المدني «العقد شريعة المتعاقدين».
والمادة 197 على انه «يجب تنفيذ العقد طبقا لما يتضمنه من احكام وبطريقة تتفق مع ما يقتضيه حسن النية وشرف التعامل».
لذا، فإنه يتوجب على شركات التأمين المتعاقد معها تنفيذ التزاماتها وان تدفع الى الدولة مستحقاتها.
ان سكوت الدولة في الماضي من مطالبة شركات التأمين التي استحوذت على رسوم التأمين أو الضمان واحتكرت تحصيلها دون ان تقوم بدفع تكاليف ما تكبدته الدولة من مصاريف في تقديم الخدمات الطبية والصحية للمقيمين قد تسبب بخسائر مالية كبيرة.
وقد آن الاوان وحان الموعد لأن تقوم الدولة بالمطالبة بمستحقاتها من تلك الشركات والا يعتبر سكوتها وعدم مطالبتها إهدارا للمال العام يشكل جريمة من جرائم حماية المال العام والوضع الراهن يستوجب اكثر من ذي قبل ان تقوم شركات التأمين هذه بأداء واجباتها ودفع التزاماتها نحو الدولة لتخفيف أعباء الدولة في مواجهة ومكافحة أزمة كورونا.
فهل من مجيب؟