محمد ناصر
إنجاز مسلسل عن تكوين النسيج المجتمعي في الكويت ليس بالمهمة السهلة، إلا أن المخرج حمد النوري والكاتب مشاري العميري قررا التصدي لهذه المهمة وإهداء المشاهدين هذه الأيام وثيقة بصرية تؤرخ لأربع حقب زمنية في تاريخ الكويت عبر مسلسل «رحى الأيام»، الذي يعرض عبر تلفزيون الكويت وقناة «المجلس» ويحظى بمشاهدة كبيرة.
تؤسس الحلقات الأولى من العمل لهجرة النجادة الى الكويت برصد البيئة النجدية عبر حكاية «بوصالح» (عبدالإمام عبدالله) الذي يفجع بمقتل شقيقه تاركا خلفه ابناً وأرملة ما تلبث أن تموت ليقرر بعدها الابن الصغير الهجرة الى الكويت بحثا عن حياة جديدة بعدما أوفى دين والده عبر العمل في مزرعته.
تأخذنا الحلقات الأربع الأولى الى البيئة النجدية بكل تفاصيلها الجميلة ولهجتها المحببة التي أجادها الممثلون تحت إشراف مدقق اللهجة النجدية عبدالرحمن الصالحي، فنرى تجانسا وتناغما تماما بين مكونات العمل في الحكاية النجدية التي برع فيها بشكل استثنائي الطفل أحمد بن حسين في دور «عزيز» بعفويته المطلقة التي تبشر بولادة موهبة كبيرة مع الأداء المتميز كذلك لماجد مطرب فواز في دور «عبدالعزيز» وهو كبير ولمريم الغامدي (أم عزيز) وعادل الفضلي بدور صاحب المزرعة و«علي المدفع» بدور محفظ القرآن.
تشكل الحقبة النجدية في المسلسل مدخلا لقراءته وإن كان من المبكر الإحاطة بالعمل ككل، لكن الرؤية الإخراجية لحمد النوري تعد بالكثير، حيث لاحظنا واقعية الصورة في تلك الحقبة، فلا زخرفة زائدة على حساب مضمون الصورة ونقلها الدقيق للواقع النجدي، بالإضافة الى العامل الأهم وهو إدارة الممثلين باحترافية التي ألغت الانفعالات الزائدة مع التركيز على الفضاءات العامة للقطات بما يخدم روح تلك الحقبة.
ولكن مقابل هذا، عانت عملية التأسيس الدرامي لبعض الشخصيات من تكرار مفتعل، فغاية أي مشهد تأسيسي، خاصة في الحلقات الأولى، إيصال المعلومة للمشاهد حول مآلات الشخصية، فشاهدنا المعاملة القاسية من صاحب المزرعة للطفل «عزيز» ثم مشاهد أخرى مكررة تحمل نفس المضمون دون أي إضافة درامية للمشاهد، وكذلك الأمر مع مشاهد اختلاف اللهجة النجدية عن الكويتية وأخذها مشاهد عديدة ومكررة دون أي إضافة.
ولكن رغم تلك الملاحظات البسيطة، إلا أن «الحقبة النجدية» تبقى الأقوى والأجمل لغاية الآن ونقطة قوة المسلسل، فمع هجرة «عزيز» من نجد الى الكويت ولقائه بخالته، التي تؤدي دورها ايضا مريم الغامدي، بدأت الحلقات تفقد من زخمها الدرامي لتعاني من التطويل غير المبرر، خاصة أن مسلسلات الحقب عادة ما تكون ثرية بالأحداث والتفاصيل، ونحن هنا لا نقصد بالأحداث التقلبات الدرامية الفاقعة واللامنطقية التي نراها في المسلسلات الأخرى، بل الأحداث التراكمية للشخصية، فمن غير المنطقي مثلا أن يستمر «عزيز» بفرش حصائر المسجد في مشهد يستمر لأكثر من 3 دقائق دون أي إضافة للمشاهد.
يحفل المسلسل باللقطات الجميلة خاصة في المشاهد الخارجية التي أظهرت حرفية عالية في تصوير الصحراء ليلا ونهارا، وكذلك البحر والأسواق عبر توازن الألوان الذي ظهر نتيجته على الشاشة بأفضل ما يكون.
جمالية العمل ايضا تكمن في رسالته، فهنا كويت التنوع والخليط الاجتماعي واللهجات المتعددة التي تجتمع كلها تحت راية حب الوطن والتلاحم والتكاتف بين جميع المكونات، وهنا كويت الغوص والصحراء وشظف العيش ما قبل ظهور النفط، ففي هذا المسلسل القصص الملحمية والتاريخية التي صنعت كويتنا، حيث يعرض العمل الهجرات للكويت بدءا من العام 1907 لغاية ما قبل ظهور النفط سنة 1961، يتخلل تلك الفترة ايضا بناء السور الثالث وتطور التجارة وازدهارها عبر استعراض نماذج لصفات تجار الكويت الأوائل متمثلة في الشخصية المتميزة التي يؤديها الفنان الكبير جاسم النبهان، بالإضافة لأحداث أخرى شهدتها الكويت خلال النصف الأول من القرن الماضي.
«رحى الأيام» عمل يستحق المشاهدة لأنه يوثق لمرحلة مهمة في تاريخ الكويت، تؤكد أن الكويت هي وطن للجميع، وبغض النظر عن بعض الأمور الفنية التي عانى منها العمل إلا أنه يبقى من الأعمال المميزة الذي عرضها تلفزيون الكويت في شهر رمضان، وتميز فيه بعد الفنان جاسم النبهان كل من نور وعبدالله الخضر ومحمد الحملي ومشاري البلام وخالد الثويني ومحمد الصيرفي وياسة واحمد العونان.
اقرا ايضا