الغرور والصلف وسقوط خوارزمهذا الخطأ يتعلق باثنين من الحكام الكبار الذين كانت أراضي بلادهما وطريقة حكمهما يختلف بعضها عن بعض كل الاختلاف.
إنها قصة تدور حول الكيفية التي يمكن لخطأ مهين واحد أن يغير حياة كل مواطن في أوروبا وآسيا. وتبدأ قصة هذا الخطأ باستعراض مميت للقوة وانتهى بملايين القتلى.
أول هذين الحاكمين هو علاء الدين محمد ملك خوارزم. وفي القرن الثالث عشر كانت مملكة خوارزم تسيطر على وسط آسيا بما فيها اليوم إيران والعراق وباكستان وأفغانستان.
وكانت هذه المملكة الغنية تسيطر على طريق الحرير الذي كان يتعين على جميع القوافل التجارية القادمة من الصين، وكان يتم تحصيل الضرائب على حركة انتقال هذه القوافل من جانب مملكة خوارزم.
كما كانت مملكة خوارزم قوى كبيرة بجيشها الذي كان يبلغ قوامه نصف مليون جندي مزودين بأقوى الخيول والدروع. وكانت سمرقند عاصمة خوارزم مركزا للعلم والثروة والمروج الجميلة والعمران الرائع.
ولكن كل هذه القوة والثروة ليست كافية لضمان ان تفوز الأمم بكل معركة تخوضها. فخطأ قاتل من علاء الدين محمد كان سببا فيما حل بالمسلمين على يد التتار من ألوان الدمار والقتل.
فقد حدث أن جماعة من التجار المسلمين خرجوا إلى بلاد جنكيز خان دون إذن السلطان خوارزم شاه، فقابلهم جنكيز خان وأكرمهم غاية الإكرام، وردا على سؤاله لهم: لأي شيء انقطعتم عنا؟ فقالوا: إن السلطان خوارزم شاه منع التجار من المسافرة إلى بلادك ولو علم بنا لأهلكنا.
فأرسل جنكيز خان رسله إلى خوارزم شاه لإعادة العلاقات التجارية المتبادلة بين البلدين، وأرسل من جهته تجارا معهم أموال لا تعد ولا تحصى.
فلما انتهوا إلى الأترار عمد نائب خوارزم شاه بها، فكتب إلى خوارزم شاه بأن يقتلهم ويأخذ أموالهم.
فأصدر خوارزم شاه مرسوما بقتلهم وسلب ما كان معهم. فأرسل جنكيز خان إلى خوارزم شاه: هذا الذي جرى، أعلمني هل هو عن رضا منك؟ إن لم يكن برضاك فنحن نطلب بدمائهم من الأترار. فكان جواب خوارزم شاه: إن هذا كان بعلمي وأمري، وما بيننا إلا السيف.
فقام ولده السلطان جلال الدين وكان عاقلا وأشار على والده أن يتلطف في الجواب ويخلي بين جنكيز خان ونائب الأترار، ويسلطه على دم واحد يحمي به المسلمين من نهر جيحون إلى قريب بلاد الشام، ومساجد لا تحصى عددها، ومدارس، وأمم لا يحصون، وأقاليم. فأبى والده إلا السيف وأمر بقتل الرسل.
فيا لها من فعلة ما كان أقبحها، أجرت كل قطرة من دمائهم سيلا من دماء المسلمين. وكان هذا الخطأ القاتل هو السبب في إشعال ثورة غضب جنكيز خان فقام بغزو خوارزم.
وكانت حمامات الدماء والخراب والدمار في كل شبر من أرض خوارزم، ولما أدرك علاء الدين محمد (خوارزم شاه) الهزيمة المروعة هرب الى خراسان ثم منها الى جزيرة نائية، ومات ودفن بها عام 1220م، وترك الحكم لابنه جلال الدين ليحارب التتار والمغول.
من كتاب: 100 خطأ غيرت مجرى التاريخ ـ بيل فاوست