- الشطي: بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان
- المرداس: علينا ألا ننقطع عن العمل الصالح الذي كنا نقوم به في شهر الصيام
- الديحاني: لنكن بين خوف ورجاء ولنُتبِع الحسنة الحسنة
ليلى الشافعي
سؤال يتجدد كل عام.. ماذا بعد رمضان؟ هل نجعل من رمضان بداية لعهد جديد من التوبة والاستغفار والخير؟ أم نرجع الى الفتور في العبادة وإلى المعاصي؟ وكيف نستثمر زاده الإيماني طوال العام؟
ماذا بعد رمضان؟ يقول د.محمد يوسف الشطي، وفي ظل أجواء جائحة فيروس كورونا، ماذا ينبغي ان يستمر عليه المسلم بعد شهر رمضان؟ على المسلم أن يعيش بين الخوف والرجاء، وأن يعمل جاهدا فإذا ما انقضى وقع الهم على الإنسان، أقبل الله مني الأعمال في شهر رمضان أم ردها عليّ؟ على المسلم الاستعداد ليوم الوقوف بين يدي الله تعالى بكثرة الطاعات والعمل على الإصلاح في المجتمع، وتكريس مفهوم التقوى، وتعزيز الإيمان في قلوب الناس، وأن يكون المسلم على نفس الحال الذي كان عليه في قلوب الناس، وأن يكون المسلم على الحال نفسه الذي كان عليه في شهر رمضان، وقد ذكر العلماء ان من علامة قبول الحسنة ان يتبعها العبد بحسنة أخرى، فما هو حال المسلم بعد رمضان؟
وأن يحصل المسلم على شهادة من مدرسة التقوى في رمضان، فهل أصبح المسلم من المتقين، وأن يعزم المسلم على الاستمرارية على التوبة والاستقامة (واستقم كما أُمرت ولا تتبع أهواءهم) وأن يستجيب المسلم لأمر الله تعالى في سائر الأيام في رمضان وغير رمضان (استجيبوا لربكم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله) وأن تخشع قلوبنا لذكر الله تعالى إذا قرأنا القرآن الكريم وأن تلين قلوبنا لذكر الله وأن نبتعد عن قسوة القلب وتزيين الشيطان الشر والضلال للمسلم، وأن نثبت على الصراط المستقيم، وأن يلتزم المسلم بالأمر بعبادة الله تعالى، وأن يتخذ الاستقامة شرعة ومنهاجا على شرعة.
يقول الحسن البصري ـ رحمه الله: لا يكون لعمل المؤمن أجل دون الموت، وقرأ قوله سبحانه: (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) ولما سئل بشر الحافي، رحمه الله، عن أناس يتعبدون في رمضان ويتهجدون فإذا انسلخ رمضان تركوا، قال: بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان.
وعلى المسلم الحذر من الشيطان ووساوسه، لأن الشياطين يُطلق سراحها بعد رمضان وتفك قيودها، ولكن كيد الشيطان ضعيف كما أخبرنا ربنا سبحانه، ومن اعتصم بالله عصمه الله من مكائد الشيطان، وينبغي ان نعلم ان الشيطان عدو يغفل عنه الكثير ولا يعمل له حساب، وقد أخبرنا الله تعالى بعداوته لنا وحذرنا منه بقوله تعالى: (إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير) وينبغي أن نعلم ان الشيطان عنده رسالة وهي أن يدخل بني آدم النار وعنده أهداف واضحة لتلك الرسالة وهي تزيين المعاصي والذنوب التي تكون سببا في دخول النار وكي يهدم كل ما يفعله المسلم في رمضان من الطاعات والقربات.
وعلى المسلم ان يحافظ على الصلوات الخمس جماعة وخصوصا صلاة الفجر ومن استطاع المحافظة عليها في رمضان فهو قادر ان يحافظ عليها في غير رمضان وكذلك صلاة الفجر، فهو نور في حياتنا وفي قبورنا وعند الصراط، والصلاة إن صلحت صلح سائر العمل فلا تفرط في الصلاة بعد رمضان ولا نحرم أنفسنا أيضا من قيام الليل ولو ركعتين وأن نحافظ على قراءة القرآن ولا نهجره سائر العام، فالقرآن أُنزل لنتلوه في رمضان وغير رمضان ومن استطاع أن يقرأ جزءا من القرآن في رمضان أيضا قادر على قراءة القرآن في غير رمضان.
وعلى المسلم ان يحرص على الأعمال الصالحة التي تشرع لنا بعد رمضان مثل صيام ستة أيام من شوال «من صام رمضان وأتبعه بست من شوال فذلك صيام الدهر» وختام ما على المسلم ان يستقيم على طاعة الله ويداوم عليها حتى يأتيه الموت وهو على ذلك (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين).
اغتنام الأيام
يقول د.خالد المرداس: الواجب علينا ألا ننقطع عن العمل الصالح الذي كنا نقوم به في شهر رمضان المبارك، من المحافظة على الصلوات المفروضة في وقتها وتلاوة القرآن الكريم، وعدم التساهل في الصلاة لأننا جالسين في البيت.
عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كما جاء في الحديث القدسي: «وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه» عمل يسير تنال به محبة الله جل جلاله، وكذلك المحافظة على صيام التطوع ما استطعت الى ذلك سبيلا، وعلى الصدقة والإحسان والكلمة الطيبة وعلى الصبر والدعاء، ولا ننسى صلة الأرحام ولو عبر الاتصال لنحصل البر والتواصل، وكذلك اغتنام هذه الأيام وأنت في البيت مع الأهل والأولاد تبادلهم الأحاديث النافعة والحوارات الهادفة، ومنها قراءة القرآن والسيرة النبوية وقصص الأنبياء وسيرة الصالحين والذي من خلاله ننمي عقولهم بالخير وفعله، قال الله تعالى: (فاقصص القصص لعلهم يتفكرون).
وزاد: كما هي فرصة لغرس القيم والمبادئ والفضائل في نفوس الأبناء من خلال تواجد الجميع في البيت، وكذلك على الجميع ان يلتزم بالقوانين والقرارات الصادرة من الجهات الرسمية بعدم الخروج من المنزل لنكون متعاونين على الخير وعلى البر والتقوى حتى يزول هذا الداء والوباء بإذن الله، وكذلك تذكير الأهل والأبناء بفضل صيام ستة أيام من شوال، مبينا لهم الدليل على الفضل، عن أبي أيوب ان رسول صلى الله عليه وسلم قال: «من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر» رواه مسلم.
وهذا من توفيق الله عز وجل ومحبته للبيت العامر بطاعة الله عز وجل. وندعو الله سبحانه وتعالى ان يرفع الغمة والكرب والبلاء والوباء عن المسلمين في كل مكان وأن يحفظ الكويت وأهلها ومن عليها من كل سوء ومكروه وبلاء.
دوام الاستقامة
ويضيف الشيخ فايز الديحاني: اننا كنا في أيام رمضان ولياليه نتقلب في عبادات عظيمة وأعمال جليلة ما بين صلاة وصيام وقيام وتلاوة وذكر واستغفار ودعاء وصدقة وإحسان وتفطير وصلة أرحام، فهل تنتهي تلك الأعمال أو يهجر بعضها بمضي ذلك الموسم؟
مبينا ان من ثمرات هذا الشهر المبارك، تحقيق التقوى في القلوب والتحلي بالصبر والمصابرة على الطاعة والبعد عن المعصية ومجاهدة النفس والانتصار عليها والتغلب على العادات السيئة، فشهر رمضان مدرسة إيمانية جميلة جليلة تزودنا منها بأنواع من الزاد الأخروي ومحطة روحية شحذنا فيها الهمم واستعدنا النشاط وكانت منعطفا للتغيير والتعديل والتحسين تغيرت فيه أعمالنا وتعدل سلوكنا وحسنت أخلاقنا، فهل يا ترى سنبقى على ما اعتدناه من خير؟ مبتعدين عما هجرناه من شر؟ أم ان منا من سيعود الى ما كان عليه قبل رمضان من تقصير وتفريط وكسل وسير وراء مشتهيات النفس وميل لجواذب الهوى؟ لذلك كان سلفنا الصالح مع صيامهم النهار وقيامهم الليل وعظيم اجتهادهم وكثرة طاعاتهم وتنوع إحسانهم تظل قلوبهم وجلة ويبقون خائفين لا يدرون هل قبلت أعمالهم أم لم تقبل؟ قال تعالى في حقهم: (والذين يؤتون ما أتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون) فقد كان لقبول العمل أشد اهتماما منهم بالعمل نفسه لأنهم فقهوا قول الله عز وجل: (إنما يتقبل الله من المتقين)، ولهذا فقد كانوا يُتبعون الطاعة بالطاعة والحسنة بالحسنة ولم يكونوا كحال بعضنا ممن لا يكاد رمضان ينتهي حتى ينسى ما كان عليه من استقامة ويعود الى تفريطه وكأنه بهذا على ثقة من ان أعماله كلها قد تُقبلت وأنه قد نال بها وأوفى الحسنات وبلغ بها أرفع الدرجات وليس هذا سوء ظن بالله، لا والله وتالله، ولا ينبغي للمؤمن أن يسيء الظن بربه ولكنه يخاف ويرجو ويطمع ويخشى ومن كان كذلك وعلم ان لله عليه في كل يوم حقوقا لم يفرط فيها اعتمادا على ما سبق له من اجتهاد.
وأضاف: ولنكن بين خوف ورجاء ولنتبع الحسنة الحسنة ولنستقم كما أُمرنا ولنحذر العُجب بما قدمنا او الغرور بما أسلفنا، ولنعلم ان الفضل الذي نناله في رمضان مشروط بالاستقامة واجتناب الكبائر في سائر العام.