- النجدي: الميت ينتفع بما يوهب إليه من ثواب الصدقات
- الرشيدي: قضاء دين الميت أولى.. والأصل جواز الصدقة عنه
- المرداس: جائز ومباح ويكون عن طريق اللجان الخيرية المعتمدة
ليلى الشافعي
اختلفت آراء رجال الشرع المعاصرين في حكم جمع الاموال لعمل مشاريع خيرية للميت بعد وفاته عن طريق جمع الاموال باسم الميت وجعل النية في عمل هذا المشروع، فهل هي حلال ام بدعة؟ هذه التساؤلات يجيب عليها رجال الشرع:
في البداية، يقول د.خالد المرداس: انطلاقا من قول الله تبارك وتعالى (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)، فإن المشاريع الخيرية والاغاثية هي من المسائل الفقهية والتي يسوغ فيها الاجتهاد والخلاف ويقبل، وهي ليست من مسائل الاعتقاد والتي هي من المسائل التوقيفية والتي لا يسوغ فيها الخلاف ولا الاجتهاد بل النص والدليل من الكتاب والسنة، اما بالنسبة لمسألة جمع الاموال لعمل المشاريع الخيرية للميت عن طريق اصحابه ومعارفه ومن يحبه، فأرى أنها مسألة فقهية بحتة لا تُبنى عليها احكام التحريم والبدعة الا بنص واضح من الكتاب والسنة، وعلى من انكر او بدّع ان يأتي بالبينة، وان يثبت ذلك بالدليل والنص، ومن هذه المشاريع الخيرية المباركة حفر الآبار وبناء المساجد وانشاء مدارس القرآن وكفالة الدعاة، ولها الفضل المتعدي في الدول المسلمة والفقيرة وعلى اهلها من الفقراء، واكد د.المرداس ان فعل المشاريع الخيرية للاموات جائزة ومباحة عن طريق الرابط الذي لو تبرعت او لم تتبرع لم يعلم عنك احد ولا عن تبرعك، ويكون ذلك عن طريق اللجان الرسمية والخيرية والمعتمدة، ولقد جاء من السنة المطهرة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال حين استشهد جعفر بن ابي طالب رضي الله عنه في غزوة مؤتة: اصنعوا لآل جعفر طعاما فإنه أتاهم ما يشغلهم، وهذا يعتبر من الصدقة والتي هي من المشاريع الخيرية وليس في هذا من حرج.
واوضح ان اهل الميت لا يأخذون الاموال باليد او وجها لوجه حسبما عرفنا او شاركنا في التبرع، وهذا من أجل ألا يتسببوا في احراج من لا يملك او لا يقدر، بل على المشاركة في الخير، وكذا في حال الرجل الذي مات وعليه دين، حين رفض رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة عليه حتى قال ابو قتادة، وهو من الانصار، انا احمل عنه دينه، وهذا اكبر دليل بجواز فعل المشاريع الخيرية والتكفل بها من الغير للأموات وعن طريق اصحابهم ومعارفهم ومن كل مسلم ايضا، قال صلى الله عليه وسلم: من مات وعليه دين فدينه إليّ وعليّ، وهذا اكبر دليل ايضا على تكفل الامر وتحمله ماديا وسداده عن الغير من اموات المسلمين حتى لو لم يكن قريبا او حتى لا يعرفه، والله اعلى واعلم.
مراعاة الضوابط
من جانبه، يقول د.عدنان الرشيدي: يغفل كثير من الناس عن اهم ما ينبغي ان يفعل مع الميت من الاحسان وهو قضاء دينه، فهذا اهم من الصدقة عنه، فإن الشهيد يغفر له من اول قطرة دمه الا الدين، وهذا هو فعل الصحابة رضي الله عنهم مع امواتهم كما كفل ابو قتادة رضي الله عنه دين الميت الذي اعرض النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة عليه بسبب دين عليه، فهذا اول ما ينبغي الاهتمام به بالنسبة للميت، اما ما يتعلق بالصدقة عن الميت عن طريق روابط ترسل للمساهمة للصدقة عنه، فالأصل جواز الصدقة عن الميت كما يدل عليه حديث البخاري عن عائشة رضي الله عنها ان رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم ان امي افتلتت نفسها، واظنها لو تكلمت تصدقت، فهل لها اجر ان تصدقت عنها؟ قال: نعم، لكن ينبغي مراعاة هذه الضوابط عند طلب التبرع وهي: اولا ينبغي عدم المبالغة والمباهاة في هذا الجمع والتفاخر بين اولياء الاموات، وثانيا عدم احراج الناس والإلحاح عليهم في طلب الصدقة عن الميت.
مشروع مندوب
وعن حكم التعاون على عمل مشروع وقفي او صدقة عن الميت، يقول د.محمد الحمود النجدي: أولا: انتفاع الميت بما يوهب له من ثواب الصدقات من الأحياء، دلت الأدلة على مشروعيته، ووصوله للأموات، وكذا الدعاء لهم، وهو أفضل وأعظم، ومما يستدل به على جواز الصدقة عن الميت:
1 ـ حديث عائشة رضي الله عنها «أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم إن أمي افتلتت نفسها، وأظنها لو تكلمت تصدقت، فهل لها أجر إن تصدقت عنها؟ قال: نعم» (رواه البخاري 1388، ومسلم 1004). قال النووي رحمه الله: «وفي هذا الحديث: أن الصدقة عن الميت، تنفع الميت، ويصله ثوابها، وهو كذلك بإجماع العلماء، وكذا أجمعوا على وصول الدعاء، وقضاء الدين، بالنصوص الواردة في الجميع» (شرح مسلم للنووي).
2 ـ حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: «أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أمي افتلتت نفسها (أي: ماتت فجأة)، وأظنها لو تكلمت تصدقت، أفأتصدق عنها؟ قال: نعم، تصدق عنها».
وفي رواية: «فهل لها أجر إن تصدقت عنها؟» (خرجه الشيخان: البخاري 1388 و2760)، ومسلم 1004).
3- حديث ابن عباس رضي الله عنهما «أن سعد بن عبادة توفيت أمه وهو غائب عنها، فقال: يا رسول الله، إن أمي توفيت وأنا غائب عنها، أينفعها شيء إن تصدقت به عنها؟ قال صلى الله عليه وسلم: نعم، قال: فإني أشهدك أن حائطي المخراف صدقة عليها» (رواه البخاري 2756 و2762).
ومن الأدلة العامة:
قول الله سبحانه (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ـ التوبة)، أي: قلوبهم متحدة في التوادد والتحابب والتعاطف والنصرة.
قول الله سبحانه (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ـ المائدة: 2)، فالتعاون في الإسلام: أن يعين بعض المسلمين بعضا، على الخير والبر، قولا وفعلا، قال الشيخ عبدالرحمن السعدي: «الإعانة هي: الإتيان بكل خصلة من خصال الخير المأمور بفعلها، والامتناع عن كل خصلة من خصال الشر المأمور بتركها، فإن العبد مأمور بفعلها بنفسه، وبمعاونة غيره من إخوانه المؤمنين عليها، بكل قول يبعث عليها، وينشط لها، وبكل فعل كذلك وكل معصية وظلم يجب على العبد كف نفسه عنه، ثم إعانة غيره على تركه (تيسير الكريم الرحمن).
3- عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من استطاع أن ينفع أخاه فليفعل» (رواه مسلم).
2 ـ قول النبي صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم، وتراحمهم وتعاطفهم، كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر» (متفق عليه).
وغيرها من الأدلة الكثيرة.
وهذا الأمر، محل اتفاق بين العلماء، وقد نقل هذا الاتفاق غير واحد من العلماء، كابن المبارك وابن قدامة والنووي وشيخ الإسلام وغيرهم، وهم أئمة الإسلام، وإليهم المرجع في نقل الإجماع والاختلاف، وهذه بعض نصوصهم في المسألة:
1 ـ روى مسلم في مقدمة صحيحه (1/29): عن ابن المبارك رحمه الله تضعيفه لحديث: «إن من البر بعد البر، أن تصلي لأبويك مع صلاتك؟. ثم قال: ولكن ليس في الصدقة اختلاف».
قال شارحه النووي رحمه الله: من أراد بر والديه، فليتصدق عنهما، فإن الصدقة تصل إلى الميت، وينتفع بها، بلا خلاف بين المسلمين، وهذا هو الصواب.
قال الموفق ابن قدامة في المغني: فصل: وأي قربة فعلها، وجعل ثوابها للميت المسلم، نفعه ذلك إن شاء الله أما الدعاء والاستغفار والصدقة، وأداء الواجبات: فلا أعلم فيه خلافا، إذا كانت الواجبات مما يدخله النيابة. انتهى من «المغني» (2/226).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الأئمة اتفقوا على أن الصدقة تصل إلى الميت، وكذلك العبادات المالية كالعتق.
ووجه سؤال للشيخ ابن باز رحمه الله: أريد أن أتصدق على والديّ بعد وفاتهما بأي صدقة كانت كبناء مسجد، أو معهد ديني لتعليم القرآن الكريم أو ما شابه ذلك من الصدقات، فهل يجوز إشراكهما في مشروع واحد أو لابد لكل واحد منهما من مشروع منفرد؟ فكان الجواب: لا مانع من إشراكهما في مشروع واحد وأنت معهم أيضا، أنت أيها المتصدق معهم تجعل نفسك معهم أو من شئت من أقاربك، الحمد لله الأمر واسع وفضل الله واسع، فلا مانع أن يكون المشروع لأبيك أو أمك أو لهما جميعا أولك معهما أيضا كله طيب. انتهى من موقع الشيخ.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: «يجوز للإنسان أن يتعبد لله عز وجل بطاعة بنية أنها لميت من أموات المسلمين، سواء كان هذا الميت من أقاربه أم ممن ليس من أقاربه» («فتاوى نور على الدرب» لابن عثيمين).
وعليه، فيصح أن يتصدق الشخص عن صاحبه الميت، أو يحفر له بئرا، أو يبني له مسجدا، وغيرها من أعمال البر والخيرات، بنية الثواب عنه، فهذا كله مما يلحق الميت أجره إن شاء الله، وهبة ثواب الصدقة للميت مما ينفعه ـ بإذن الله ـ وهذا ما لا خلاف فيه بين العلماء، كما سبق بيانه.