تابعنا في الأسبوع الماضي الاستجواب المقدم من قبل النائب رياض العدساني والموجه لوزير المالية، وقد أثار النائب موضوع الوثيقة المقدمة من الوزير المتعلقة بالإصلاحات ومقترحات تمويل الميزانية، حيث اعترض النائب على بعض مضامين تلك الوثيقة والتي تتضمن إعادة النظر في الدعوم الحكومية والرسوم وتوفير موارد أخرى لإيرادات الموازنة العامة.
والتساؤل المطروح هنا.. ما المطلوب من وزير مكلف بحقيبة وزارة المالية مثقلة بعجوزات مالية متراكمة على مدى 5 سنوات؟ وتقدر تلك العجوزات خلال تلك السنوات بما يزيد على 22 مليار دينار حتى آخر بيان رسمي صادر، في ظل انخفاض أسعار البترول لتصل الى أقل من 50% من نقطة سعر التعادل بين الإيرادات والمصروفات، وكذلك انعكاسات وباء فيروس كورونا ماليا واقتصاديا على الموازنة العامة للدولة.
وأنا هنا لا أتكلم عن شخص الوزير وإنما عن صفة الوزير المسؤول عن الخزانة العامة للدولة وإدارة المالية العامة بما يحقق الاستدامة المالية للدولة، والتي لا تتحقق إلا من خلال عنصرين أساسيين تنمية الإيرادات وتقنين المصروفات، وعليه فمن واجب أي وزير للمالية أن يقدم وصفة إصلاحات مالية لتحقيق تلك الاستدامة، ومن خلال ما تم تداوله من إجراءات مقترحة في تلك الوثيقة، تبين انها لم تخرج عن الإطار العام المطلوب في أي وثيقة لإصلاحات مالية، ولن أخوض في تفاصيل تلك الإصلاحات، حيث سبق ان كتبت فيها بشكل دقيق تحت عنوان «خارطة طريق الإصلاح المالي للموازنة العامة للدولة».
لذا، يجب ألا نجزع من تقديم أي وثيقة إصلاحات مالية تحقق تنمية الإيرادات وترشيد المصروفات، طالما تحقق الاستدامة المالية بما لا يمس أصحاب الدخول المحدودة والمتوسطة وبالقدر الذي يحقق المصلحة العامة، وهذا ليس بالأمر الجديد فقد سبق ان ضمن وزير المالية في بيانه عن الأوضاع الاقتصادية والمالية والنقدية لمشروع الميزانية العامة للسنة المالية 2018/2019 و2019/2020، وان الإدارة المالية التزمت بالإجراءات التي أقرها مجلس الوزراء في 10 نوفمبر 2014 بشأن ترشيد الإنفاق ومنها ما يتعلق بكوادر المرتبات وتقنين الدعومات.
كما أشار الوزير في ذلك الوقت الى ان الإدارة المالية قد التزمت بالمحاور التي تضمنتها وثيقة الإجراءات الداعمة للإصلاح والتي صدرت من لجنة الشؤون الاقتصادية الحكومية واعتمدها مجلس الوزراء في 14 مارس 2016، حيث عرض على مجلس الأمة البرنامج التنفيذي الوطني للاستدامة الاقتصادية والمالية بجداوله الزمنية في جلسته المنعقدة بتاريخ 6 مارس 2018، والذي يهدف الى دعم الاقتصاد الوطني والحفاظ على المستوى المعيشي للمواطنين.
وكان من ضمن التوقعات الواردة ببيان وزير المالية حين ذاك ما يتعلق بخفض عجز الموازنة والوارد بتقرير صندوق النقد الدولي من خلال ما هو متوقع من تطبيق الضريبة الانتقائية في السنة المالية 2020/2021، وتطبيق ضريبة القيمة المضافة في السنة المالية 2021/2022.
ويتضح أن كل ما ورد في الوثيقة التي عرضها النائب بالجلسة هي بالأصل وردت بشكل او بآخر في بياني وزير المالية المشار إليها، إذن ما الجديد في الأمر؟
وفي هذا الصدد، نود ان نوضح ان اقتراح وقف نسبة الـ 10% من الإيرادات لصالح صندوق الأجيال القادمة لن يحقق نقطة التعادل في الموازنة، كما لن تتحقق نقطة التعادل عند تحويل إيرادات المؤسسات الحكومية للخزانة العامة للدولة بما يتفق مع قوانين إنشاء تلك المؤسسات، لأن نقطة التعادل تتحقق بوجود حزمة إصلاحات مالية مجتمعة لا منفردة، علما أن تلك المقترحات هي بالأصل وردت ضمن الوثائق الإصلاحية السابقة.
وبعد ذلك يبقى دور ومسؤولية مجلس الأمة في دراسة ومناقشة تلك الإصلاحات في حال إحالتها من قبل الحكومة، وذلك إما بإقرارها أو رفضها او التعديل عليها او ربط الموافقة عليها باشتراطات محددة وحسبما يتم الاتفاق عليه، وان مسؤوليته متابعة تنفيذ تلك الإصلاحات من خلال اللجان المختصة بالمجلس وعلى رأسها لجنة الميزانيات والحساب الختامي، والتي ترد لها كل البيانات المالية الخاصة بحسابات الدولة وتقارير الجهات الرقابية بشأنها، واللجنة هي المسؤولة بالدرجة الأولى على المحافظة على استدامة المالية العامة وتتحمل مسؤولية عدم تقويم مسار المالية العامة للدولة من خلال اجتماعاتها وتقاريرها التي ترفعها لمجلس الأمة.
إذن هي مسؤولية مجلس الأمة مجتمعا، وهي مسؤولية تضامنية والمجلس هو الذي يحدد مسار ومستقبل الموقف المالي والاقتصادي للدولة ومصير الوطن والمواطن.
وفي سياق دور ومسؤولية لجنة الميزانيات والحساب الختامي استوقفني ما ورد في تقرير ديوان المحاسبة عن السنة المالية 2016/2017 المنشور على الموقع الإلكتروني للديوان والذي اطلعت عليه مؤخرا، حيث تحفظ ديوان المحاسبة على صحة ما جاء بالبيانات الواردة بالحسابات الختامية للجهات المشمولة برقابة الديوان للسنة المذكورة!، وأصحاب الاختصاص يعون تماما مفهوم التحفظ على البيانات الأمر الذي يضع مصداقية البيانات المالية للدولة في محك محليا وخارجيا، ومدى نطاق أثر هذا التحفظ على البيانات المرحلة منذ تلك السنة المالية حتى تاريخه وانعكاساته على جوانب أخرى في عناصر الحسابات الختامية والمركز المالي للدولة.
٭ نقطة نظام: سبق أن وضحنا الجوانب القانونية والفنية بشأن طلب المستجوب بتكليف جهاز المراقبين الماليين بموضوع شركة الخطوط الجوية الكويتية، حيث إنه تأكد صدور تكليف رسمي للجهاز بهذا الشأن نؤكد ان هذا التكليف يتعارض مع قانون إنشاء جهاز المراقبين الماليين واستقلاليته.
* نائب رئيس جهاز المراقبين الماليين بالوكالة (سابقا)
[email protected]