- ديوان المحاسبة يرى وجود شبهة عدم دستورية بإنشاء جهاز مستقل للمراقبين الماليين لمخالفته حكم المادة 151 من الدستور
- اللجنة التشريعية بمجلس الأمة بتاريخ 13/2/2014 رأت أن اقتراح إنشاء الجهاز يعتبر جيداً ولا يشوبه شبهة عدم الدستورية
بقلم: بدر مشاري الحماد.. نائب رئيس جهاز المراقبين الماليين بالوكالة (سابقاً)
[email protected]
في دراسة خاصة قد اعددتها تتعلق بإنشاء جهاز للمراقبين الماليين الصادر بالقانون رقم 23 لسنة 2015، والجدل الكبير الذي اثير بشأن مدى دستورية انشاء جهاز للمراقبين الماليين في ظل وجود جهاز رقابي آخر ممثلا بديوان المحاسبة الصادر بموجب القانون رقم 30 لسنة 1964 وتعديلاته.
هذا الجدل الذي تمثل في رأي ديوان المحاسبة الموجه الى سمو رئيس مجلس الوزراء حين ذاك، حيث أوضح الديوان وجهة نظره القانونية بشأن مقترح القانون، وقد تمت الإشارة الى وجهة النظر تلك خلال جلسة مجلس الامة والتي اقر بها القانون، وقد بنى الديوان رأيه في ضوء ما توافرت لديه من معلومات عن مقترح بقانون انشاء جهاز مستقل للمراقبين الماليين يتبع مجلس الوزراء (المقترح الاولي تبعية الجهاز لمجلس الوزراء)، بأن المقترح يثير شبهة عدم دستورية القانون، وقد تناول الديوان رأيه في هذا الشأن في عدة جوانب تتعلق بالمقترح.
وبما ان ما جاء برأي ديوان المحاسبة بشأن شبهة عدم الدستورية لم ينصف من حيث تناول ما جاء به واعطاؤه حقه من حيث الدراسة والبحث والتعقيب على ما تضمنه من مبررات قانونية وفنية، لذا فإننا من هذا المنطلق نرى من المناسب ان يتم تناول هذا الرأي والتعقيب عليه من نظرة متخصصة في هذا الجانب.
يرى الديوان ان انشاء جهاز مستقل للمراقبين الماليين يخالف حكم المادة 151 من الدستور والتي تنص على انه (ينشأ بقانون ديوان للمراقبة المالية يكفل القانون استقلاله، ويكون ملحقا بمجلس الأمة ويعاون الحكومة ومجلس الأمة في رقابة تحصيل ايرادات الدولة وإنفاق مصروفاتها في حدود الميزانية ويقدم الديوان لكل من الحكومة ومجلس الامة تقريرا سنويا عن أعماله وملاحظاته)، وانه يخالف ما استقر عليه القضاء الدستوري.
كما يرى الديوان انه يختص دون غيره بممارسة الرقابة المالية، وان دور المراقبين الماليين وفقا للمرسوم بقانون 31 لسنة 1978 بشأن اعداد الميزانيات العامة، يقتصر على متابعة تنفيذ الميزانيات العامة ومراقبة الإيرادات والمصروفات.
هذا ودلل الديوان بما انتهت اليه اللجنة التشريعية بمجلس الامة بتاريخ 4/5/2010 من رأي على عدم الموافقة على الاقتراح بقانون بإنشاء جهاز للرقابة المالية، والذي يسلب الديوان دوره ويلحقه بالسلطة التنفيذية بدلا من السلطة التشريعية، كما عقب الديوان على تقرير اللجنة التشريعية المؤرخ في 13/2/2014 بشأن اقتراح بإنشاء جهاز المراقبين الماليين وما تضمنه من ان الاقتراح جيد ولا يشوبه شبهة عدم الدستورية، الا ان اللجنة لم تذكر اسانيد انتفاء شبهة عدم الدستورية، مما يوجب عدم الاخذ بهذا الرأي والاخذ بالرأي السابق للجنة.
واعتبر الديوان ان ما ورد بنص المقترح في المادتين (10،9) من تكليف مجلس الوزراء للجهاز برقابة أي جهة أخرى او عمل، يرى المجلس ضرورة الرقابة عليها، يعتبر مساسا باستقلالية ديوان المحاسبة وتدخلا في اختصاصاته وذلك في حال اختلاف التقرير السنوي للجهاز عما ورد بالتقرير السنوي للديوان.
وردا على رأي ديوان المحاسبة هذا، فإنه على الرغم من ان قانون انشاء جهاز المراقبين رقم 23 لسنة 2015 قد صدر ونص على ان الجهاز يتبع وزير المالية بموجب المادة 2 من القانون، وليس كما ورد مقترح القانون بتبعية لمجلس الوزراء، الا ان موضوع التبعية لن يغير من الامر شئا وفقا لما أورده الديوان في هذا الشأن لعدة أسباب.
فهناك جوانب تاريخية ارتبطت بنشأة جهاز المراقبين الماليين، فقد جاءت التشريعات المنظمة للشؤون المالية بالدولة لتحقق التكامل في تنظيم نشاط الرقابة بوجه عام والرقابة المالية بوجه خاص، فلو نظرنا الى الجانب التاريخي في هذا الامر للمسنا هذا التكامل بشكل جلي، فقبل صدور دستور دولة الكويت في عام 1962 صدر المرسوم بقانون رقم 1 لسنة 1960 بقواعد إعداد الميزانيات العامة والرقابة على تنفيذها والحساب الختامي، وهو يعد اللبنة الأولى في تنظيم العمل المالي للدولة وقد تناول جوانب عديدة في هذا الشأن، فقد أشارت المذكرة الإيضاحية للمرسوم بقانون الى أن الباب لا يزال مفتوحا في التفكير بإنشاء ديوان محاسبة، وللتفكير أيضا في تنظيم مراقبة مالية قبل الصرف.
ويلاحظ ان رؤية المشرع في ذلك الوقت ان يكون هناك نوعان من الرقابة المالية منها ما هو منوط بديوان المحاسبة ومنها ما يتعلق بنظام الرقابة المالية قبل الصرف، وبصدور دستور دولة الكويت في عام 1962 اصبحت الجوانب المالية بالدولة أكثر تنظيما، حيث افرد المشرع فرعا متكاملا في ضمن الفصل الرابع (السلطة التنفيذية) في هذا الشأن، وقد تناولت عدة موضوعات منها ما نصت عليه المادة 151 (ينشأ بقانون ديوان للمراقبة المالية يكفل القانون استقلاله، ويكون ملحقا بمجلس الامة،..).
ومن الملاحظ أيضا ان المشرع نظم انشاء ديوان للمراقبة المالية، وقد تمت ترجمة ذلك بصدور القانون رقم 30 لسنة 1964 بإنشاء ديوان المحاسبة، وبموجب هذا القانون تم تعيين اهداف واختصاصات ديوان المحاسبة على وجه التحديد، وبالتالي تم تنفيذ رؤية المشرع بالمرسوم بقانون رقم 1 لسنة 1960 بشأن انشاء ديوان محاسبة.
هذا، وظل موضوع تنظيم الرقابة قبل الصرف دون تشريع على الرغم من موافقة مجلس الوزراء على توصيات مجلس الامة القاضية بإلحاق رؤساء حسابات في كل الوزارات والمصالح الحكومية بوزارة المالية والصناعة حين ذاك، علما بان موافقة مجلس الوزراء قد جاءت قبل صدور قانون انشاء ديوان المحاسبة، ويرجع التأخير في صدور القانون الى الاختلاف في وجهات النظر بين الجهات المعنية بشأن تضمين مشروع قانون بقواعد إعداد الميزانيات العامة للدولة والرقابة على تنفيذها والحساب الختامي تفصيل لاختصاصات المراقبين الماليين، وفي نهاية المطاف صدر المرسوم بقانون 31 لسنة 1978 بقواعد اعداد الميزانيات العامة والرقابة عليها والحساب الختامي، وقد تضمن مواد خاصة بتعيين مراقبين ماليين ورؤساء حسابات بالجهات الحكومية دون الاشارة الى اختصاصاتهم، وإنما اوكل القانون لمجلس الوزراء تحديد تلك الاختصاصات وتبعيتهم.
ان للسرد التاريخي الذي اشرنا اليه والمتعلق بنشأة نظام الرقابة المالية مغزى يتعلق بالتأكيد على مدى دستورية القانون، وهذا ما سنبينه في الجزء الثاني للموضوع.