- في حال كان جهاز المراقبين الماليين تابعاً لمجلس الوزراء فإن تلك التبعية لن تخالف أحكام المادتين (130.101) من الدستور
- إنشاء جهاز مستقل للمراقبين الماليين لا يعني إنشاء جهاز موازٍ لديوان المحاسبة ولا يسلب اختصاصاته
بقلم: بدر مشاري الحماد.. نائب رئيس جهاز المراقبين الماليين بالوكالة (سابقا)
[email protected]
تناولنا في الجزء السابق ما يؤكد عدم وجود تعارض بإنشاء جهاز للمراقبين مع احكام المادة 151 من الدستور، وانه ليس ثمة أي تعارض بين أحكام مقترح قانون انشاء جهاز المراقبين الماليين وقانون ديوان المحاسبة.
ومن جانب آخر يرى ديوان المحاسبة ان عدم تبعية المراقبين الماليين لوزير المالية يخالف احكام المادتين (130،101) من الدستور، حيث تنص المادة 101 على الآتي (كل وزير مسؤول لدى مجلس الامة عن اعمال وزارته...)، كما تنص المادة 130 على الآتي (يتولى كل وزير الاشراف على شؤون وزارته ويقوم بتنفيذ السياسة العامة للحكومة فيها، كما يرسم اتجاهات الوزارة ويشرف عليها)، وان شمولية مشروع الميزانية السنوية للدولة والحساب الختامي لكل إيرادات الدولة واعداد ورقابة تنفيذ الميزانية يجب ان يكون بجهة واحدة هي وزارة المالية، وان المراقبين الماليين هم المسؤولون عن تنفيذ احكام القانون في وزارة المالية، في حين ان المقترح يتضمن تبعية المراقبين الماليين لمجلس الوزراء وهو مخالف لأحكام الدستور.
وردا على ذلك فإنه على الرغم من ان قانون انشاء جهاز المراقبين رقم 23 لسنة 2015 قد صدر ونص بأن الجهاز يتبع وزير المالية بموجب المادة 2 من القانون، وليس كما ورد بمشروع القانون بتبعية لمجلس الوزراء، الا ان موضوع التبعية لن يغير من الامر شيئا وفقا لما أورده الديوان في هذا الشأن، لأن تبعية الجهاز لمجلس الوزراء لن تخالف احكام المادتين (130،101) من الدستور، بل تتسق تماما مع تلك الاحكام لان الجهاز سيشرف عليه وزير الدولة لشئون مجلس الوزراء، كما هو الحال مع كل الأجهزة التابعة لمجلس الوزراء والتي هي أصلا تحت اشراف وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء، وعليه يكون هو مسؤول على كل التصرفات تلك الأجهزة بما يتفق مع المادتين المشار اليها، وعلى الرغم من ذلك الا ان القانون صدر بتبعيته لوزير المالية.
هذا وقد نتفق من حيث الموضوعية والتكامل بين الأدوار بان تكون تبعية جهاز المراقبين الماليين لوزير المالية بصفته الوزير المختص بالشؤون المالية للدولة، الا ان ذلك لا يعني بان لو كان الجهاز تابعا لمجلس الوزراء يعتبر مخالفا لأحكام الدستور، حيث لا يوجد سند قانوني لهذا القول، فنصت المادة 34 من المرسوم 31 لسنة 1978 بشأن قواعد اعداد الميزانيات العامة والرقابة عليها والحساب الختامي على الآتي (يحدد بقرار من مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير المالية اختصاصات وتبعية المراقبين الماليين ورؤساء الحسابات)، ووفقا لنص تلك المادة فإننا نرى انه بالإمكان ان تكون التبعية مناطة بمجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير المالية، فلو كان اقتراح الوزير ان يكون المراقبين الماليين تابعين لمجلس الوزراء بما يتفق مع نص المادة فهل يعني ذلك أنه مخالف للدستور؟ وهل يعني ذلك ان المادة المشار اليها تعتبر غير دستورية؟ لا بالطبع.
كما يرى الديوان ان انشاء جهاز مستقل للمراقبين الماليين يعني انشاء جهاز موازٍ للديوان وهو يهدف الى ذات غرض الديوان وهو افتئات على اختصاص الديوان.
ونرى ان ما ذهب اليه ديوان المحاسبة بعيد عن الواقع، حيث ان نظام الرقابة المالية المسبقة يمارس منذ أكثر من 25 سنة، وهو يقوم بدوره على النحو الموضح بالمرسوم بالقانون 31 لسنة 1978 بشأن قواعد إعداد الميزانيات العامة والرقابة عليها والحساب الختامي والقرارات المنظمة في شأن المراقبين الماليين، والتي هي ذاتها تقريبا الوارد في القانون 23 لسنة 2015 ولائحة التنفيذية، فالقانون لم يأت بشيء جديد وانما جاء بشكل اداري متطور يحقق له الاستقلالية بما يخدم نشاطه.
كما انه لم يرد أي نص بالقانون يتعارض مع ما جاء بقانون انشاء ديوان المحاسبة، هذا وان اهداف الجهاز تختلف عن اهداف الديوان حيث ان هدف الجهاز الرئيسي هو تنفيذ رقابة مالية مسبقة على المعاملات المالية، وديوان المحاسبة يهدف الى تنفيذ رقابة لاحقة على التصرفات المالية، والرقابة المسبقة التي يقوم بها الديوان تتعلق بالارتباطات والعقود والالتزامات في الحدود الموضحة في قانون انشائه، وهي تختلف عن الرقابة المسبقة للجهاز والتي هي مرتبطة بالمعاملات المالية (صرف - قيد - توريد)، وجهاز المراقبين الماليين ليس معنيا بالارتباطات والعقود والالتزامات.
هذا ولا ضير بان يكون للسلطة التنفيذية جهاز رقابي تابع لها يقوم بالرقابة على الجهات الحكومية بما يحقق الرقابة الداخلية على مستوى السلطة التنفيذية.
ويرى الديوان أيضا ان جدول المرتبات والمزايا والحوافز للعاملين بديوان المحاسبة تم اقراره عن طريق اللجنة العليا لشؤون موظفي الديوان، وذلك بموجب قانون الديوان تأكيدا لاستقلالية الديوان، اما المراقبون الماليون فهم تابعون للحكومة ولا يجوز منحهم ذات المزايا لعدم تمتعهم بذات المهام الموكلة للديوان.
وفي الواقع ان رواتب موظفي جهاز المراقبين الماليين ليس ذات رواتب موظفي ديوان المحاسبة وفقا لأحكام القانون 23 لسنة 2015 بشأن انشاء جهاز المراقبين الماليين، كما ان لا يوجد سند قانوني يمنع بان تكون رواتب الجهاز مماثله لرواتب الديوان او أكثر، حيث ان إقرار كادر لموظفي الجهاز يستند الى قانون انشائه وفقا لحكم المادة 4 منه، علما بان هناك جهات حكومية كادرها المالي هو ذات كادر الديوان كهيئة مكافحة الفساد ووحدة التحريات الكويتية.
هذا ويرى الديوان ان تقديم الجهاز المقترح تقريرا سنويا الى مجلس الوزراء ومجلس الامة، وكذلك ارسالها للجهات الخاصة مشتملة على ملاحظات الجهاز والرد عليها خلال شهر يمثل افتئات وسلب لاختصاص اصيل للديوان، وقد يؤدي الى حدوث تناقض في الملاحظات بين الجهاز والديوان، وذات الامر حال تكليف الجهاز بالرقابة على موضوع من مجلس الوزراء ويرى مجلس الامة تكليف الديوان بذات الامر مما يؤثر سلبا في جودة العمل الرقابي، وانه كان يتعين قصر الاختصاصات على اعمال الرقابة الحسابية قبل الصرف.
في حين نرى ان تقديم الجهاز تقارير دورية الى كل من مجلس الوزراء ومجلس الامة لا يمثل افتئاتا وسلبا لاختصاص الديوان، لأنه أولا وكما اسلفنا ان نوع الرقابة المالية التي يقوم بها كل من الجهازين مختلفة تماما، كما ان تقديم الأجهزة الرقابية تقارير دورية عن اعمالها وادائها لا تمثل نوع من الاختصاصات وانما التزامات عليها والتي تعكس لعمالها وإنجازاتها وادائها، كما ان التقارير لا تسبب اية تناقضات طالما تعكس نتائج الاختصاصات التي يمارسها كل جهاز والتي هي بالأساس اختصاصات مختلفة.
هذا ولا ضير من وجود اختلاف في التقارير لذات الموضوع التي تعدها الجهات الرقابية، حيث يعكس هذا الامر الاختلاف في وجهات النظر ولا يمثل تناقض.
اما فيما يتعلق بتكليف الجهاز بالرقابة على جهة او بموضوع من قبل مجلس الوزراء وقد يكلف الديوان أيضا بذات الموضوع من قبل مجلس الامة، فهذا حق يمارسه الجهاز وفقا لما تراه السلطة المختصة من مصلحة عامة ووفقا للقانون، وهي أصلا تمارس حتى في ظل عدم وجود جهاز المراقبين الماليين، فوزارة المالية تقدم تقارير عن الحساب الختامي والديوان يقدم أيضا تقرير عن الحساب الختامي، ووزارة المالية تكلف في موضوعات على سبيل المثال وليس الحصر بمراجعة حسابات البعثات والمكاتب الخارجية، والديوان يقوم بذات الامر.
وفيما يتعلق ببعض الملاحظات الأخرى التي ابداها ديوان المحاسبة في كتابه الموجه لسمو رئيس مجلس الوزراء، هذا ما سنبينه في الجزء الرابع والأخير للموضوع.